قال جمهور المفسرين: القرية هي بيت المقدس، وقيل إنها أريحاء قرية من قرى بيت المقدس، وقيل من قرى الشام. وقوله (كلوا) أمر إباحة - و (رغدا) ثم كثيرا واسعا، وهو نعت لمصدر محذوف: أي أكلا رغدا، ويجوز أن يكون في موضع الحال، وقد تقدم تفسيره. والباب الذي أمروا بدخوله هو باب في بيت المقدس يعرف اليوم بباب حطة، وقيل هو باب القبة التي كان يصلي إليها موسى وبنو إسرائيل. والسجود قد تقدم تفسيره وقيل هو هنا الانحناء، وقيل التواضع والخضوع، واستدلوا على ذلك بأنه لو كان المراد السجود الحقيقي الذي هو وضع الجبهة على الأرض لامتنع الدخول المأمور به، لأنه لا يمكن الدخول حال السجود الحقيقي، وقال في الكشاف: إنهم أمروا بالسجود عند الانتهاء إلى الباب شكرا لله وتواضعا. واعترضه أبو حيان في النهر الماد فقال: لم يؤمروا بالسجود، بل هو قيد في وقوع المأمور به وهو الدخول، والأحوال نسب تقييدية، والأوامر نسب إسنادية انتهى. ويجاب عنه بأن الأمر بالمقيد أمر بالقيد، فمن قال أخرج مسرعا فهو آمر رسول بالخروج على هذه الهيئة، فلو خرج غير مسرع كان عند أهل اللسان مخالفا للأمر. ولا ينافي هذا كون الأحوال نسبا تقييدية، فإن اتصافها بكونها قيودا مأمورا بها هو شئ زائد على مجرد التقييد. وقوله (حطة) بالرفع في قراءة الجمهور على إضمار مبتدأ، قال الأخفش: وقرئت " حطة " نصبا على معنى احطط عنا ذنوبنا حطة، وقيل معناها الاستغفار ومنه قول الشاعر:
فاز بالحطة التي أمر الله بها ذنب عبده مغفورا وقال ابن فارس في المجمل (حطة) كلمة أمروا بها ولو قالوها لحطت أوزارهم. قال الرازي في تفسيره:
أمرهم بأن يقولوا ما يدل على التوبة، وذلك لأن التوبة صفة القلب فلا يطلع الغير عليها، وإذا اشتهر وأخذ بالذنب ثم تاب بعده لزمه أن يحكي توبته لمن شاهد منه الذنب، لأن التوبة لا تتم إلا به انتهى، وكون التوبة لا تتم إلا بذلك لا دليل عليه، بل مجرد عقد القلب عليها يكفي سواء اطلع الناس على ذنبه أم لا، وربما كان التكتم بالتوبة على وجه لا يطلع عليها إلا الله عز وجل أحب إلى الله وأقرب إلى مغفرته. وأما رفع ما عند الناس من اعتقادهم بقاءه على المعصية فذلك باب آخر. وقوله (يغفر لكم) قرأه نافع بالياء التحتية المضمومة، وقرأه ابن عامر بالتاء الفوقية المضمومة وقرأه الباقون بالنون وهي أولى. والخطايا جمع خطيئة بالهمز، وقد تكلم علماء العربية في ذلك بما هو معروف في كتب الصرف. وقوله (وسنزيد المحسنين) أي نزيدهم إحسانا على إحسانهم المتقدم، وهو اسم فاعل من أحسن.
وقد ثبت في الصحيح " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سئل عن الإحسان فقال: أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك " وقوله (فبدل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم) قيل إنهم قالوا حنطة، وقيل غير ذلك. والصواب أنهم قالوا: حبة في شعرة كما سيأتي مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم. وقوله (فأنزلنا على الذين ظلموا) هو من وضع الظاهر موضع المضمر لنكتة كما تقرر في علم البيان، وهي هنا تعظيم الأمر عليهم وتقبيح فعلهم، ومنه قول عدي بن زيد: