بين الناس بأن لا يفعل ذلك، ثم يمتنع من فعله معللا لذلك الامتناع بأنه قد حلف أن لا يفعله، وهذا المعنى هو الذي ذكره الجمهور في تفسير الآية، ينهاهم الله أن يجعلوه عرضة لأيمانهم: أي حاجزا لما حلفوا عليه ومانعا منه، وسمى المحلوف عليه يمينا لتلبسه باليمين، وعلى هذا يكونه قوله (أن تبروا) عطف بيان لأيمانكم: أي لا تجعلوا الله مانعا للأيمان التي هي بركم وتقواكم وإصلاحكم بين الناس، ويتعلق قوله (لأيمانكم) بقوله (لا تجعلوا) أي لا تجعلوا الله لأيمانكم مانعا وحاجزا، ويجوز أن يتعلق بعرضة: أي لا تجعلوه شيئا معترضا بينكم وبين البر وما بعده وعلى المعنى الثاني، وهو أن العرضة: الشدة والقوة يكون معنى الآية: لا تجعلوا اليمين بالله قوة لأنفسكم، وعدة في الامتناع من الخير، ولا يصح تفسير الآية على المعنى الثالث، وهو تفسير العرضة بالهمة - وأما على المعنى الرابع، وهو من قولهم فلان لا يزال عرضة للناس: أي يقعون فيه، فيكون معنى الآية عليه: ولا تجعلوا الله معرضا لأيمانكم، فتبتذلونه بكثرة الحلف به، ومنه - واحفظوا أيمانكم - وقد ذم الله المكثرين للحلف فقال - ولا تطع كل حلاف مهين -. وقد كانت العرب تتمادح بقلة الأيمان حتى قال قائلهم:
قليل الألايا حافظ ليمينه * وإن ندرت منه الألية برت وعلى هذا فيكون قوله (أن تبروا) علة للنهي أي لا تجعلوا الله معرضا لأيمانكم إرادة أن تبروا وتتقوا وتصلحوا لأن من يكثر الحلف بالله يجترئ على الحنث ويفجر في يمينه. وقد قيل في تفسير الآية أقوال هي راجعة إلى هذه الوجوه التي ذكرناها، فمن ذلك قول الزجاج معنى الآية أن يكون الرجل إذا طلب منه الفعل الذي فيه خير اعتل بالله: فقال على يمين وهو لم يحلف، وقيل معناها: لا تحلفوا بالله كاذبين إذا أردتم البر والتقوى والاصلاح، وقيل معناها إذا حلفتم على أن لا تصلوا أرحامكم ولا تتصدقوا ولا تصلحوا وعلى أشباه ذلك من أبواب البر فكفروا عن اليمين. وقد قيل إن قوله (أن تبروا) مبتدأ خبره محذوف أي البر والتقوى، والإصلاح أولى. قاله الزجاج وقيل إنه منصوب: أي لا تمنعكم اليمين بالله البر والتقوى والإصلاح وروى ذلك عن الزجاج أيضا، وقيل معناه أن لا تبروا، فحذف لا، كقوله - يبين الله لكم إن تضلوا - أي لا تضلوا. قاله ابن جرير الطبري، وقيل هو في موضع جر على قول الخليل والكسائي، والتقدير في (أن تبروا). وقوله (سميع) أي لأقوال العباد (عليم) بما يصدر منهم. واللغو: مصدر لغا يلغو لغوا، ولغى يلغى لغيا: إذا أتى بما لا يحتاج إليه في الكلام أو بما لا خير فيه وهو الساقط الذي لا يعتد به، فاللغو من اليمين: هو الساقط الذي لا يعتد به، ومنه اللغو في الدية، وهو الساقط الذي لا يعتد به من أولاد الإبل، قال جرير:
ويذهب بينها المري لغوا كما * ألغيت في الدية الحوارا وقال آخر: ورب أسراب حجيج كظم * عن اللغا ورفث التكلم أي لا يتكلمن بالساقط والرفث، ومعنى الآية: لا يعاقبكم الله بالساقط من أيمانكم، ولكن يعاقبكم بما كسبت قلوبكم: أي اقترفته بالقصد إليه: وهي اليمين المعقودة، ومثله قوله تعالى - ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان - ومثله قول الشاعر:
ولست بمأخوذ بلغو يقوله * إذا لم تعمد عاقدات العزائم وقد اختلف أهل العلم في تفسير اللغو، فذهب ابن عباس وعائشة وجمهور العلماء أيضا: أنه قول الرجل لا والله وبلى والله في حديثه وكلامه غير معتقد لليمين، ولا مريد لها. قال المروزي: هذا معنى لغو اليمين الذي