وقد أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله (إني نذرت لك ما في بطني محررا) قال: كانت نذرت أن تجعله في الكنيسة يتعبد بها، وكانت ترجو أن يكون ذكرا. وأخرج ابن المنذر عنه قال: نذرت أن تجعله محررا للعبادة. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله (محررا) قال: خادما للبيعة.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه قال: محررا خالصا لا يخالطه شئ من أمر الدنيا. وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " ما من مولود يولد إلا والشيطان يمسه حين يولد فيستهل صارخا من مس الشيطان إياه إلا مريم وابنها، ثم يقول أبو هريرة: اقرءوا إن شئتم (وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم " وللحديث ألفاظ عن أبي هريرة هذا أحدها، وروى من حديث غيره. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن ابن عباس قال: كفلها زكريا فدخل عليها المحراب فوجد عندها عنبا في مكتل في غير حينه، فقال: أني لك هذا؟ قالت: هو من عند الله، قال:
إن الذي يرزقك العنب في غير حينه لقادر أن يرزقني من العاقر الكبير العقيم ولدا (هنالك دعا زكريا ربه). وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة قال: كانت مريم ابنة سيدهم وإمامهم، فتشاح عليها أحبارهم فاقترعوا فيها بسهامهم أيهم يكفلها، وكان زكريا زوج أختها فكفلها، وكانت عنده وحضنها. وأخرج البيهقي في سننه عن ابن مسعود وابن عباس وناس من الصحابة نحوه. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس (وكفلها زكريا) قال: جعلها معه في محرابه.
قوله (هنالك) ظرف يستعمل للزمان والمكان، وأصله للمكان، وقيل إنه للزمان خاصة، وهناك للمكان، وقيل يجوز استعمال كل واحد منهما مكان الآخر، واللام للدلالة على البعد، والكاف للخطاب. والمعنى أنه دعا في ذلك المكان الذي هو قائم فيه عند مريم، أو في ذلك الزمان أن يهب الله له ذرية طيبة، والذي بعثه على ذلك