الذي أمروا ببيانه ونهوا عن كتمانه. وقوله (ثمنا قليلا) أي حقيرا يسيرا من حطام الدنيا وأعراضها، قوله (فبئس ما يشترون) ما نكرة منصوبة مفسرة لفاعل بئس، ويشترون صفة، والمخصوص بالذم محذوف: أي بئس شيئا يشترونه بذلك الثمن. قوله (لا تحسبن الذين يفرحون قرأ الكوفيون بالتاء الفوقية والخطاب لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أو لكل من يصلح له. وقوله (بما أتوا) أي بما فعلوا. وقد اختلف في سبب نزول الآية كما سيأتي، والظاهر شمولها لكل من حصل منه ما تضمنته عملا بعموم الفظ، وهو المعتبر دون خصوص السبب، فمن فرح بما فعل وأحب أن يحمده الناس بما لم يفعل فلا تحسبنه بمفازة من العذاب. وقرأ نافع وابن عامر وابن كثير وأبو عمرو " ولا يحسبن " بالياء التحتية: أي لا يحسبن الفارحون فرحهم منجيا لهم من العذاب، فالمفعول الأول محذوف وهو فرحهم، والمفعول الثاني بمفازة من العذاب. وقوله (فلا تحسبنهم) تأكيد للفعل الأول على القراءتين، والمفازة: المنجاة، مفعلة من فاز يفوز إذا نجا: أي ليسوا بفائزين سمي موضع الخوف مفازة على جهة التفاؤل قاله الأصمعي. وقيل لأنها موضع تفويز ومظنة هلاك، تقول العرب: فوز الرجل إذا مات. قال ثعلب:
حكيت لابن الأعرابي قول الأصمعي فقال أخطأ. قال لي أبو المكارم: إنما سميت مفازة لأن من قطعها فاز.
وقال ابن الأعرابي: بل لأنه مستسلم لما أصابه. وقيل المعنى: لا تحسبنهم بمكان بعيد من العذاب، لأن الفوز التباعد عن المكروه. وقرأ مروان بن الحكم والأعمش وإبراهيم النخعي " آتوا " بالمد: أي يفرحون بما أعطوا. وقرأ جمهور القراء السبعة وغيرهم " أتوا " بالقصر.
وقد أخرج ابن أبي شيبة وهناد وعبد بن حميد والترمذي وصححه وابن حبان وابن جرير وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " إن موضع سوط في الجنة خير من الدنيا وما فيها، اقرءوا إن شئتم (فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور) ". وأخرج ابن مردويه عن سهل بن سعد مرفوعا نحوه. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن الزهري في قوله (ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم) قال: هو كعب بن الأشرف، وكان يحرض المشركين على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه في شعره. وأخرج ابن المنذر من طريق الزهري عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك مثله. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن جريج في الآية قال: يعني اليهود والنصارى، فكان المسلمون يسمعون من اليهود قولهم - عزير ابن الله -، ومن النصارى قولهم - المسيح ابن الله - (وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور) قال: من القوة مما عزم الله عليه وأمركم به. وأخرج ابن إسحاق وابن جرير عن ابن عباس في قوله (وإذا أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس) قال: فنحاص وأشيع وأشباههما من الأحبار. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس في قوله (وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس) قال: كان الله أمرهم أن يتبعوا النبي الأمي. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عنه في الآية قال: في التوراة والإنجيل أن الإسلام دين الله الذي افترضه على عباده وأن محمدا رسول الله يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل فنبذوه. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في الآية قال: هم اليهود (لتبيننه للناس) قال: محمدا صلى الله عليه وآله وسلم. وأخرج ابن جرير عن السدي مثله. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في الآية قال: هذا ميثاق أخذه الله على أهل العلم، فمن علم علما فليعلمه الناس، وإياكم وكتمان العلم، فإن كتمان العلم هلكة. وأخرج ابن سعد عن الحسن قال: لولا الميثاق الذي أخذه الله على أهل العلم ما حدثتكم بكثير مما تسألون عنه. وأخرج البخاري ومسلم