هم الظالمون) فيه دليل على أن كل كافر ظالم لنفسه. ومن جملة من يدخل تحت هذا العموم مانع الزكاة منعا يوجب كفره لوقوع ذلك في سياق الأمر بالإنفاق.
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن جريج في قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا أنفقوا مما رزقناكم) قال:
من الزكاة والتطوع. وأخرج ابن المنذر عن سفيان قال: يقال نسخت الزكاة كل صدقة في القرآن، ونسخ شهر رمضان كل صوم. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في الآية قال: قد علم الله أن ناسا يتخاللون في الدنيا ويشفع بعضهم لبعض، فأما يوم القيامة فلا خلة إلا خلة المتقين. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن عطاء قال: الحمد لله الذي قال (والكافرون هم الظالمون) ولم يقل والظالمون هم الكافرون.
قوله (لا إله إلا هو) أي لا معبود بحق إلا هو، وهذه الجملة خبر المبتدأ. والحي: الباقي، وقيل الذي لا يزول ولا يحول، وقيل المصرف للأمور والمقدر للأشياء. قال الطبري عن قوم إنه يقال: حي كما وصف نفسه، ويسلم ذلك دون أن ينظر فيه، وهو خبر ثان أو مبتدأ خبره محذوف. والقيوم: القائم على كل نفس بما كسبت، وقيل القائم بذاته المقيم لغيره، وقيل القائم بتدبير الخلق وحفظه، وقيل هو الذي لا ينام، وقيل الذي لا بديل له. وأصل قيوم قيووم اجتمعت الياء والواو وسبقت إحداهما بالسكون فأدغمت الأولى في الثانية بعد قلب الواو ياء. وقرأ ابن مسعود وعلقمة والنخعي والأعمش " الحي القيام " بالألف، وروى ذلك عن عمر، ولا خلاف بين أهل اللغة أن القيوم أعرف عند العرب وأصح بناء، وأثبت علة. والسنة: النعاس في قول الجمهور، والنعاس: ما يتقدم النوم من الفتور وانطباق العينين، فإذا صار في القلب صار نوما. وفرق المفصل بين السنة والنعاس: والنوم فقال: السنة من الرأس، والنعاس في العين، والنوم في القلب انتهى. والذي ينبغي التعويل عليه في الفرق بين السنة والنوم أن السنة لا يفقد معها العقل، بخلاف النوم فإنه استرخاء أعضاء الدماغ من رطوبات الأبخرة حتى يفقد معه العقل، بل وجميع الإدراكات بسائر المشاعر، والمراد أنه لا يعتريه سبحانه شئ منهما، وقدم السنة على النوم، لكونها تتقدمه في الوجود. قال الرازي في تفسيره: إن السنة ما تتقدم النوم، فإذا كانت عبارة عن مقدمة النوم، فإذا قيل لا تأخذه سنة دل على أنه لا يأخذه نوم بطريق الأولى، فكان ذكر النوم تكرارا، قلنا: تقدير الآية لا تأخذه سنة فضلا عن أن يأخذه نوم، والله أعلم بمراده انتهى. وأقول: إن هذه الأولوية التي ذكرها غير مسلمة، فإن النوم قد يرد ابتداء من دون ما ذكر من النعاس. وإذا ورد على القلب والعين دفعة واحدة فإنه يقال له نوم، ولا يقال له سنة، فلا يستلزم نفي السنة نفي النوم. وقد ورد عن العرب نفيهما جميعا، ومنه قول زهير:
ولا سنة طوال الدهر تأخذه * ولا ينام وما في أمره فند