وقال في التنابز - بئس الاسم الفسوق -. وقال صلى الله عليه وآله وسلم في السباب " سباب المسلم فسوق ". ولا يخفى على عارف أن إطلاق اسم الفسوق على فرد من أفراد المعاصي لا يوجب اختصاصه به، والجدال مشتق من الجدل وهو القتل، والمراد به هنا المماراة، وقيل السباب، وقيل الفخر بالآباء. والظاهر الأول. وقد قرئ بنصب الثلاثة ورفعها، ورفع الأولين، ونصب الثالث، وعكس ذلك، ومعنى النفي لهذه الأمور النهي عنها وقوله (وما تفعلوا من خير يعلمه الله) حث على الخير بعد ذكر الشر، وعلى الطاعة بعد ذكر المعصية، وفيه أن كل ما يفعلونه من ذلك فهو معلوم عند الله لا يفوت منه شئ. وقوله (وتزودوا) فيه الأمر باتخاذ الزاد، لأن بعض العرب كانوا يقولون كيف نحج بيت ربنا ولا يطعمنا؟ فكانوا يحجون بلا زاد ويقولون: نحن متوكلون على الله سبحانه، وقيل المعنى: تزودوا لمعادكم من الأعمال الصالحة (فإن خير الزاد التقوى) والأول أرجح كما يدل على ذلك سبب نزول الآية، وسيأتي. وقوله (فإن خير الزاد التقوى) إخبار بأن خير الزاد اتقاء المنهيات، فكأنه قال: اتقوا الله في إتيان ما أمركم به من الخروج بالزاد فإن خير الزاد التقوى، وقيل المعنى: فإن خير الزاد ما اتقى به المسافر من الهلكة والحاجة إلى السؤال والتكفف. وقوله (واتقون يا أولي الألباب) فيه التخصيص لأولي الألباب بالخطاب بعد حث جميع العباد على التقوى، لأن أرباب الألباب هم القابلون لأوامر الله الناهضون بها، ولب كل شئ خالصه. قوله (ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم) فيه الترخيص لمن حج في التجارة ونحوها من الأعمال التي يحصل بها شئ من الرزق، وهو المراد بالفضل هنا، ومنه قوله تعالى - فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله - أي لا إثم عليكم في أن تبتغوا فضلا من ربكم، مع سفركم لتأدية ما افترضه عليكم من الحج قوله (فإذا أفضتم) أي دفعتم، يقال فاض الإناء: إذا امتلأ ماء حتى ينصب من نواحيه، ورجل فياض: أي متدفقة يداه بالعطاء، ومعناه: أفضتم أنفسكم فترك ذكر المفعول، كما ترك في قولهم دفعوا من موضع كذا وعرفات:
اسم لتلك البقعة: أي موضع الوقوف، وقرأه الجماعة بالتنوين، وليس التنوين هنا للفرق بين ما ينصرف وما لا ينصرف، وإنما هو بمنزلة النون في مسلمين. قال النحاس: هذا الجيد. وحكى سيبويه عن العرب حذف التنوين من عرفات قال: لما جعلوها معرفة حذفوا التنوين. وحكى الأخفش والكوفيون فتح التاء تشبيها بتاء فاطمة، وأنشدوا: تنورتها من أذرعات وأهلها * بيثرب أدنى دارها نظر عالي وقال في الكشاف: فإن قلت هلا منعت الصرف، وفيها السببان التعريف والتأنيث، قلت: لا يخلو التأنيث، إما أن يكون بالتاء التي في لفظها، وإما بتاء مقدرة كما في سعاد، فالتي في لفظها ليست للتأنيث وإنما هي مع الألف التي قبلها علامة جمع المؤنث، ولا يصح تقدير التاء فيها لأن هذه التاء لاختصاصها بجمع المؤنث مانعة من تقديرها، كما لا تقدر تاء التأنيث في بنت لأن التاء التي هي بدل من الواو لاختصاصها بالمؤنث كتاء التأنيث فأبت تقديرها انتهى، وسميت عرفات لأن الناس يتعارفون فيها، وقيل إن آدم التقى هو وحواء فيها فتعارفا، وقيل غير ذلك. قال ابن عطية: والظاهر أنه اسم مرتجل كسائر أسماء البقاع، واستدل بالآية على وجوب الوقوف بعرفة، لأن الإفاضة لا تكون إلا بعده، والمراد بذكر الله عند المشعر الحرام دعاؤه، ومنه التلبية والتكبير، وسمى المشعر مشعرا من الشعار، وهو العلامة، والدعاء عنده من شعائر الحج، ووصف بالحرام لحرمته، وقيل المراد بالذكر صلاة المغرب والعشاء بالمزدلفة جمعا. وقد أجمع أهل العلم على أن السنة أن يجمع الحاج بينهما فيها. والمشعر: هو جبل قزح الذي يقف عليه الإمام، وقيل هو ما بين جبلي المزدلفة من مأزمي عرفة إلى وادي محسر قوله (واذكروه