فيه الأمر بالتجزئة، لأن جعل كل جزء على جبل تستلزم تقدم التجزئة. قال الزجاج: المعنى ثم اجعل على كل جبل من كل واحد منهن جزءا، والجزء النصيب. وقوله (يأتينك) في محل جزم على أنه جواب الأمر، ولكنه بني لأجل نون الجمع المؤنث. وقوله (سعيا) المراد به الإسراع في الطيران أو المشي.
وقد أخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة عن ابن عباس قال: إن إبراهيم مر برجل ميت زعموا أنه حبشي على ساحل البحر، فرأى دواب البحر تخرج فتأكل منه، وسباع الأرض تأتيه فتأكل منه، والطير يقع عليه فيأكل منه، فقال إبراهيم عند ذلك: رب، هذه دواب البحر تأكل من هذا، وسباع الأرض والطير، ثم تميت هذه فتبلى ثم تحييها، فأرني كيف تحيي الموتى (قال أولم تؤمن) يا إبراهيم أني أحيي الموتى؟ (قال بلى) يا رب (ولكن ليطمئن قلبي) يقول: لأرى من آياتك وأعلم أنك قد أجبتني فقال الله: خذ أربعا من الطير واصنع ما صنع، والطير الذي أخذ: وز، ورأل، وديك، وطاوس، وأحد نصفين مختلفين: ثم أتى أربعة أجبل، فجعل على كل جبل نصفين مختلفين وهو قوله (ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا) ثم تنحى ورءوسها تحت قدميه فدعا باسم الله الأعظم، فرجع كل نصف إلى نصفه، وكل ريش إلى طائره، ثم أقبلت تطير بغير رؤوس إلى قدميه تريد رءوسها بأعناقها، فرفع قدميه فوضع كل طائر منها عنقه في رأسه فعادت كما كانت. وقد أخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة نحوه. وأخرج أيضا عبد بن حميد وابن المنذر عن الحسن نحوه. وأخرج ابن جرير عن ابن جريج أنها كانت جيفة حمار. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي عن ابن عباس في قوله (ولكن ليطمئن قلبي) يقول: أعلم أنك تجيبني إذا دعوتك، وتعطيني إذا سألتك. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله (فخذ أربعة من الطير) قال: الغرنوق، والطاوس، والديك، والحمامة. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد، قال الأربعة من الطير: الديك، والطاوس. والغراب، والحمام وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر، والبيهقي عن ابن عباس (فصرهن) قال:
قطعهن. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه قال هي بالنبطية: شققهن. وأخرجا عنه أنه قال (فصرهن) أوثقهن وأخرج ابن أبي حاتم عنه قال: وضعهن على سبعة أجبل، وأخذ الرؤوس بيده فجعل ينظر إلى القطرة تلقى القطرة والريشة تلقى الريشة حتى صرن أحياء ليس لهن رؤوس، فجئن إلى رؤوسهن فدخلن فيها.