والإزالة: أي يميلونه ويزيلونه عن مواضعه ويجعلون مكانه غيره، أو المراد أنهم يتأولونه على غير تأويله وذمهم الله عز وجل بذلك، لأنهم يفعلونه عنادا وبغيا، وتأثيرا لغرض الدنيا. قوله (ويقولون سمعنا وعصينا) أي سمعنا قولك وعصينا أمرك (واسمع غير مسمع) أي اسمع حال كونك غير مسمع. وهو يحتمل أن يكون دعاء على النبي صلى الله عليه وسلم، والمعنى: اسمع لا سمعت، ويحتمل أن يكون المعنى: اسمع غير مسمع مكروها، أو اسمع غير مسمع جوابا. وقد تقدم الكلام في راعنا. ومعنى: (ليا بألسنتهم) أنهم يلوونها عن الحق: أي يميلونها إلى ما في قلوبهم، وأصل اللي: الفتل، وهو منتصب على المصدر، ويجوز أن يكون مفعولا لأجله. قوله (وطعنا في الدين) معطوف على ليا: أي يطعنون في الدين بقولهم: لو كان نبيا لعلم أنا نسبه، فأطلع الله سبحانه نبيه صلى الله عليه وآله وسلم على ذلك (ولو أنهم قالوا سمعنا) قولك (وأطعنا) أمرك (واسمع) ما نقول (وانظرنا) أي لو قالوا هذا مكان قولهم راعنا (لكان خيرا لهم) مما قالوه (وأقوم) أي أعدل وأولى من قولهم الأول وهو قولهم (سمعنا وعصينا واسمع غير مسمع وراعنا) لما في هذا من المخالفة وسوء الأدب، واحتمال الذم في راعنا (ولكن) لم يسلكوا المسلك الحسن ويأتوا بما هو خير لهم وأقوم، ولهذا (لعنهم الله بكفرهم فلا يؤمنون إلا قليلا) أي إلا إيمانا قليلا، وهو الإيمان ببعض الكتب دون بعض وببعض الرسل دون بعض. قوله (يا أيها الذين أوتوا الكتاب) ذكر سبحانه أولا أنهم أوتوا نصيبا من الكتاب، وهنا ذكر أنهم أوتوا الكتاب. والمراد أنهم أوتوا نصيبا منه، لأنهم لم يعملوا بجميع ما فيه، بل حرفوا وبدلوا. وقوله (مصدقا) منتصب على الحال. والطمس: استئصال أثر الشئ، ومنه - وإذا النجوم طمست - يقال نطمس بكسر الميم وضمها لغتان في المستقبل ويقال طمس الأثر أي محاه كله، ومنه - ربنا اطمس على أموالهم - أي أهلكها ويقال هو مطموس البصر، ومنه - ولو نشاء لطمسنا على أعينهم - أي أعميناهم.
واختلف العلماء في المعنى المراد بهذه الآية هل هو حقيقة؟ فيجعل الوجه كالقفا، فيذهب بالأنف والفم والحاجب والعين، أو ذلك عبارة عن الضلالة في قلوبهم وسلبهم التوفيق؟ فذهب إلى الأول طائفة، وذهب إلى الآخر آخرون، وعلى الأول فالمراد بقوله (فنردها على أدبارها) نجعلها قفا: أي نذهب بآثار الوجه وتخطيطه حتى يصير على هيئة القفا، وقيل إنه بعد الطمس يردها إلى موضع القفا، والقفا إلى مواضعها، وهذا هو ألصق بالمعنى الذي يفيده قوله (فتردها على أدبارها). فإن قيل: كيف جاز أن يهددهم بطمس الوجوه إن لم يؤمنوا ولم يفعل ذلك بهم؟ فقيل: إنه لما آمن هؤلاء ومن اتبعهم رفع الوعيد عن الباقين. وقال المبرد: الوعيد باق منتظر وقال: لا بد من طمس في اليهود، ونسخ قبل يوم القيامة. قوله: (أو نلعنهم كما لعنا أصحاب السبت) الضمير عائد إلى أصحاب الوجوه، قيل المراد باللعن هنا المسخ لأجل تشبيه بلعن أصحاب السبت، وكان لعن السبت مسخهم قردة وخنازير، وقيل المراد نفس اللعنة وهم ملعونون بكل لسان. والمراد وقوع أحد الأمرين: إما الطمس، أو اللعن. وقد وقع اللعن، ولكنه يقوى الأول تشبيه هذا اللعن بلعن أهل السبت. قوله (وكان أمر الله مفعولا) أي كائنا موجودا لا محالة، أو يراد بالأمر المأمور. والمعنى أنه متى أراده كان، كقوله - إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون - قوله (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) هذا الحكم يشمل جميع طوائف الكفار من أهل الكتاب وغيرهم، ولا يختص بكفار أهل الحرب، لأن اليهود قالوا عزير ابن الله، وقالت النصارى المسيح ابن الله، وقالوا ثالث ثلاثة. ولا خلاف بين المسلمين أن المشرك إذا مات على شركه لم يكن من أهل المغفرة التي تفضل الله بها على غير أهل الشرك حسبما تقتضيه مشيئته، وأما غير أهل الشرك من عصاة المسلمين فداخلون تحت المشيئة يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء. قال ابن جرير: قد أبانت هذه الآية أن كل صاحب كبيرة في مشيئة الله عز وجل إن شاء عذبه وإن شاء عفا عنه ما لم تكن كبيرته شركا بالله عز وجل. وظاهره أن المغفرة منه سبحانه تكون