أخرجه عبد الرزاق والبيهقي بإسناد صحيح وابن أبي حاتم وابن مردويه من طرق مختلفة. وأخرج ابن أبي حاتم من حديث جابر في وصف حج النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: لما طاف النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال له عمر:
هذا مقام إبراهيم قال: نعم. وأخرج نحوه ابن مردويه.
قوله (عهدنا) معناه هنا: أمرنا أو أوجبنا. وقوله (أن طهرا) في موضع نصب بنزع الخافض: أي بأن طهرا قاله الكوفيون، وقال سيبويه: هو بتقدير أي المفسرة: أي أن طهرا فلا موضع لها من الإعراب، والمراد بالتطهير قيل من الأوثان، وقيل من الآفات والريب، وقيل من الكفار، وقيل من النجاسات وطواف الجنب والحائض وكل خبيث. والظاهر أنه لا يختص بنوع من هذه الأنواع، وأن كل ما يصدق عليه مسمى التطهير فهو يتناوله إما تناولا شموليا أو بدليا، والإضافة في قوله (بيتي) للتشريف والتكريم، وقرأ الحسن وابن أبي إسحاق وأهل المدينة وهشام وحفص " بيتي " بفتح الياء، وقرأ الآخرون بإسكانها. والطائف: الذي يطوف به، وقيل الغريب الطارئ على مكة. والعاكف: المقيم: وأصل العكوف في اللغة: اللزوم والإقبال على الشئ، وقيل هو المجاور دون المقيم من أهلها. والمراد بقوله (الركع السجود) المصلون، وخص هذين الركنين بالذكر لأنهما أشرف أركان الصلاة. وقوله (وإذ قال إبراهيم) ستأتي الأحاديث الدالة على أن إبراهيم هو الذي حرم مكة، والأحاديث الدالة على أن الله حرمها يوم خلق السماوات والأرض والجمع بين هذه الأحاديث في هذا البحث.
وقوله (بلدا آمنا) أي مكة، والمراد: الدعاء لأهله من ذريته وغيرهم كقوله - عيشة راضية - أي راض صاحبها.
وقوله (من آمن) بدل من قول أهله: أي ارزق من آمن من أهله دون من كفر. وقوله (ومن كفر) الظاهر أن هذا من كلام الله سبحانه ردا على إبراهيم حيث طلب الرزق للمؤمنين دون غيرهم: أي وأرزق من كفر فأمتعه بالرزق قليلا ثم أضطره إلى عذاب النار، ويحتمل أن يكون كلاما مستقلا بيانا لحال من كفر، ويكون في حكم الإخبار عن حال الكافرين بهذه الجملة الشرطية: أي من كفر فإني أمتعه في هذه الدنيا بما يحتاجه من الرزق (ثم أضطره) كما بعد هذا التمتيع (إلى عذاب النار) فأخبر سبحانه أنه لا ينال الكفرة من الخير إلا تمتيعهم في هذه الدنيا، وليس لهم بعد ذلك إلا ما هو شر محض وهو عذاب النار، وأما على قراءة من قرأ (فأمتعه) بصيغة الأمر وكذلك قوله (ثم أضطره) بصيغة الأمر فهي مبنية على أن ذلك من جملة كلام إبراهيم، وأنه لما فرغ من الدعاء للمؤمنين دعا للكافرين بالإمتاع قليلا، ثم دعا عليهم بأن يضطرهم إلى عذاب النار. ومعنى (أضطره) ألزمه حتى صيره