بمعنى أيقنتم. وقال آخرون (خفتم) بمعنى ظننتم. قال ابن عطية: وهو الذي اختاره الحذاق وأنه على بابه من الظن لامن اليقين، والمعنى: من غلب على ظنه التقصير في العدل لليتيمة فليتركها وينكح غيرها. وقرأ النخعي وابن وثاب (تقسطوا) بفتح التاء من قسط: إذا جار، فتكون هذه القراءة على تقدير زيادة لا، كأنه قال:
وإن خفتم أن تقسطوا. وحكى الزجاج أن أقسط يستعمل استعمال قسط، والمعروف عند أهل اللغة أن أقسط بمعنى عدل، وقسط بمعنى جار، و " ما " في قوله (ما طاب) موصولة، وجاء بما مكان من لأنهما قد يتعاقبان فيقع كل واحد منهما مكان الآخر كما في قوله - والسماء وما بناها - فمنهم من يمشى على بطنه، ومنهم من يمشى على أربع -. وقال البصريون: إن " ما " تقع للنعوت كما تقع لما لا يعقل، يقال ما عندك، فيقال ظريف وكريم، فالمعنى: فانكحوا الطيب من النساء: أي الحلال، وما حرمه الله فليس بطيب، وقيل إن " ما " هنا مدية: أي ما دمتم مستحسنين للنكاح، وضعفه ابن عطية. وقال الفراء: إن " ما " ها هنا مصدرية. قال النحاس: وهذا بعيد جدا. وقرأ ابن أبي عبلة (فانكحوا من طاب). وقد اتفق أهل العلم على أن هذا الشرط المذكور في الآية لا مفهوم له، وأنه يجوز لمن لم يخف أن يقسط في اليتامى أن ينكح أكثر من واحدة، و " من " في قوله (من النساء) إما بيانية أو تبعيضية، لأن المراد غير اليتائم. قوله (مثنى وثلاث ورباع) في محل نصب على البدل من " ما " كما قاله أبو علي الفارسي، وقيل على الحال، وهذه الألفاظ لا تتصرف للعدل والوصفية كما هو مبين في علم النحو والأصل:
انكحوا ما طاب لكم من النساء اثنتين اثنتين وثلاثا ثلاثا، وأربعا أربعا.
وقد استدل بالآية على تحريم ما زاد على الأربع وبينوا ذلك بأنه خطاب لجميع الأمة، وأن كل ناكح له أن يختار ما أراد من هذا العدد كما يقال للجماعة اقتسموا هذا المال وهو ألف درهم، أو هذا المال الذي في البدرة درهمين درهمين، وثلاثة ثلاثة وأربعة أربعة. وهذا مسلم إذا كان المقسوم قد ذكرت جملته أو عين مكانه، أما لو كان مطلقا كما يقال اقتسموا الدراهم، ويراد به ما كسبوه فليس المعنى هكذا. والآية من الباب الآخر لا من الباب الأول. على أن من قال لقوم يقتسمون مالا معينا كثيرا اقتسموه مثنى وثلاث ورباع، فقسموا بعضه بينهم درهمين درهمين، وبعضه ثلاثة ثلاثة، وبعضه أربعة أربعة كان هذا هو المعنى العربي، ومعلوم أنه إذا قال القائل جاءني القوم مثنى وهم مائة ألف، كان المعنى أنهم جاءوه اثنين اثنين، وهكذا جاء في القوم ثلاث ورباع، والخطاب للجميع بمنزلة الخطاب لكل فرد فرد كما في قوله تعالى - المشركين - أقيموا الصلاة - آتوا الزكاة - ونحوها، فقوله (فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع) معناه لينكح كل فرد منكم ما طاب له من النساء اثنتين اثنتين، وثلاثا ثلاثا، وأربعا أربعا، هذا ما تقتضيه لغة العرب. فالآية تدل على خلاف ما استدلوا بها عليه، ويؤيد هذا قوله تعالى في آخر الآية (فإن خفتم أن لا تعدلوا فواحدة) فإنه وإن كان خطابا للجميع فهو بمنزلة الخطاب لكل فرد فرد. فالأولى أن يستدل على تحريم الزيادة على الأربع بالسنة لا بالقرآن.
وأما استدلال من استدل بالآية على جواز نكاح التسع باعتبار الواو الجامعة، فكأنه قال: انكحوا مجموع هذا العدد المذكور، فهذا جهل بالمعنى العربي، ولو قال: انكحوا ثنتين وثلاثا وأربعا كان هذا القول له وجه وأما مع المجئ بصيغة العدل فلا، وإنما جاء سبحانه بالواو الجامعة دون أو، لأن التخيير يشعر بأنه لا يجوز إلا أحد الأعداد المذكورة دون غيره، وذلك ليس بمراد من النظم القرآني. وقرأ النخعي ويحيى بن وثاب ثلث وربع بغير ألف. قوله (فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة) فانكحوا واحدة كما يدل على ذلك قوله (فانكحوا ما طاب) وقيل التقدير فالزموا أو فاختاروا واحدة. والأول أولى، والمعنى فإن خفتم ألا تعدلوا بين الزوجات في القسم ونحوه فانكحوا واحدة، وفيه المنع من الزيادة على الواحدة لمن خاف ذلك. وقرئ بالرفع على أنه مبتدأ والخبر محذوف. قال