قوله (لا يغرنك) خطاب للنبي صلى الله عليه وآله وسلم. والمراد تثبيته على ما هو عليه كقوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا آمنوا) أو خطاب لكل أحد، وهذه الآية متضمنة لقبح حال الكفار بعد ذكر حسن حال المؤمنين، والمعنى: لا يغرنك ما هم فيه من تقلبهم في البلاد بالأسفار للتجارة التي يتوسعون بها في معاشهم، فهو متاع قليل يتمتعون به في هذه الدار ثم مصيرهم إلى جهنم، فقوله (متاع) خبر مبتدأ محذوف: أي هو متاع قليل لا اعتداد به بالنسبة إلى ثواب الله سبحانه (ومأواهم) أي ما يأوون إليه. والتقلب في البلاد: الاضطراب في الاسفار إلى الأمكنة، ومثله قوله تعالى - فلا يغررك تقلبهم في البلاد - والمتاع ما يعجل الانتفاع به، وسماه قليلا لأنه فان، وكل فان وإن كان كثيرا فهو قليل. وقوله (وبئس المهاد) ما مهدوا لأنفسهم في جهنم بكفرهم، أو ما مهد الله لهم من النار، فالمخصوص بالذم محذوف: وهو هذا المقدر. قوله (لكن الذين اتقوا ربهم) هو استدراك مما تقدمه، لأن معناه معنى النفي كأنه قال: ليس لهم في تقلبهم في البلاد كثير انتفاع (لكن الذين اتقوا) لهم الانتفاع الكثير والخلد الدائم. وقرأ يزيد بن القعقاع لكن بتشديد النون. قوله (نزلا) مصدر مؤكد عند البصريين كما تقدم في " ثوابا " وعند الكسائي والفراء مثل ما قالا في ثوابا، والنزل ما يهيأ للنزيل، والجمع أنزال، قال الهروي (نزلا من عند الله) أي ثوابا من عند الله (وما عند الله) مما أعده لمن أطاعه (خير للأبرار) مما يحصل للكفار من الربح في الأسفار فإنه متاع قليل عن قريب يزول. قوله (وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله) هذه الجملة سيقت لبيان أن بعض أهل الكتاب لهم حظ من الدين، وليسوا كسائرهم في فضائحهم التي حكاها الله عنهم فيما سبق وفيما سيأتي، فإن هذه البعض يجمعون بين الإيمان بالله وبما أنزل الله على نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم وما أنزله على أنبيائهم حال كونهم (خاشعين لله لا يشترون) أي يستبدلون (بآيات الله ثمنا قليلا) بالتحريف والتبديل كما يفعله سائرهم بل يحكون كتب الله سبحانه كما هي، والإشارة بقوله (أولئك) إلى هذه الطائفة الصالحة من أهل الكتاب من حيث اتصافهم بهذه الصفات الحميدة (لهم أجرهم) الذي وعد الله سبحانه به بقوله - أولئك يؤتون أجرهم مرتين - وتقديم الخبر يفيد اختصاص ذلك الأجر بهم. وقوله (عند ربهم) في محل نصب على الحال. قوله (يا أيها الذين آمنوا اصبروا) الخ. هذه الآية العاشرة من قوله سبحانه (إن في خلق السماوات) ختم بها هذه السورة لما اشتملت عليه من الوصايا التي جمعت خير الدنيا والآخرة، فحض على الصبر على الطاعات والشهوات، والصبر: الحبس، وقد تقدم تحقيق معناه. والمصابرة مصابرة الأعداء، قاله الجمهور: أي غالبوهم في الصبر على الشدائد الحرب، وخص المصابرة بالذكر بعد أن ذكر الصبر لكونها أشد منه وأشق. وقيل المعنى صابروا على الصلوات، وقيل
(٤١٤)