هنا عبارة عن الصلاة: أي لا يضيعونها في حال من الأحوال فيصلونها قياما مع عدم العذر، وقعودا وعلى جنوبهم مع العذر. قوله (ويتفكرون في خلق السماوات والأرض) معطوف على قوله (يذكرون) وقيل إنه معطوف على الحال، أعني (قياما وقعودا) وقيل إنه منقطع عن الأول، والمعنى: أنهم يتفكرون في بديع صنعهما وإتقانهما مع عظم أجرامها فإن هذا الفكر إذا كان صادقا أوصلهم إلى الإيمان بالله سبحانه. قوله (ربنا ما خلقت هذا باطلا) هو على تقدير القول: أي يقولون ما خلقت هذا عبثا ولهوا، بل خلقته دليلا على حكمتك وقدرتك.
والباطل: الزائل الذاهب، ومنه قول لبيد: ألا كل شئ ما خلا الله باطل * وهو منصوب على أنه صفة لمصدر محذوف: أي خلقا باطلا، وقيل منصوب بنزع الخافض، وقيل هو مفعول ثان، وخلق بمعنى جعل، أو منصوب على الحال، والإشارة بقوله (هذا) إلى السماوات والأرض، أو إلى الخلق على أنه بمعنى المخلوق. قوله (سبحانك) أي تنزيها لك عما لا يليق بك من الأمور التي من جملتها أن يكون خلقك لهذه المخلوقات باطلا. وقوله (فقنا عذاب النار) الفاء لترتيب هذا الدعاء على ما قبله. وقوله (ربنا إنك من تدخل النار فقد أخزيته) تأكيد لما تقدمه من استدعاء الوقاية من النار منه سبحانه، وبيان للسبب الذي لأجله دعاه عباده بأن يقيهم عذاب النار، وهو أن من أدخله النار فقد أخزاه، أي أذله وأهانه. وقال المفضل: معنى أخزيته أهلكته، وأنشد أخزى الإله بني الصليب عنيزة * واللابسين ملابس الرهبان وقيل معناه: فضحته وأبعدته، يقال أخزاه الله: أبعده ومقته، والاسم الخزي. قال ابن السكيت: خزى يخزى خزيا: إذا وقع في بلية. قوله (ربنا إننا سمعنا مناديا ينادي للإيمان) المنادي عند أكثر المفسرين هو النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وقيل هو القرآن، وأوقع السماع على المنادي مع كون المسموع هو النداء لأنه قد وصف المنادي بما يسمع، وهو قوله (ينادي للإيمان أن آمنوا). وقال أبو علي الفارسي: إن " ينادي " هو المفعول الثاني وذكر ينادي مع أنه قد فهم من قوله (مناديا) لقصد التأكيد والتفخيم لشأن هذا المنادى به، واللام في قوله (للإيمان) بمعنى إلى، وقيل إن ينادي يتعدى باللام وبإلى، يقال ينادي لكذا وينادي إلى كذا، وقيل اللام للعلة: أي لأجل الإيمان. قوله (أن آمنوا) هي إما تفسيرية أو مصدرية وأصلها بأن آمنوا فحذف حرف الجر.
قوله (فآمنا) أي امتثلنا ما يأمر به هذا المنادي من الإيمان فآمنا، وتكرير النداء في قوله (ربنا) لإظهار التضرع والخضوع، قيل المراد بالذنوب هنا الكبائر وبالسيئات الصغائر. والظاهر عدم اختصاص أحد اللفظين بأحد الأمرين، والآخر بالآخر، بل يكون المعنى في الذنوب والسيئات واحدا، والتكرير للمبالغة والتأكيد، كما أن معنى الغفر والكفر الستر. والأبرار جمع بار أو بر، وأصله من الاتساع، فكأن البار متسع في طاعة الله ومتسعة له رحمته، قيل هم الأنبياء، ومعنى اللفظ أوسع من ذلك. قوله (ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك) هذا دعاء آخر والنكتة في تكرير النداء ما تقدم والموعود به على ألسن الرسل هو الثواب الذي وعد الله به أهل طاعته، ففي الكلام حذف وهو لفظ الألسن كقوله - واسأل القرية - وقيل المحذوف التصديق: أي ما وعدتنا على تصديق رسلك، وقيل ما وعدتنا منزلا على رسلك، أو محمولا على رسلك والأول أولى. وصدور هذا الدعاء منهم مع علمهم أن ما وعدهم الله به على ألسن رسله كائن لا محالة، إما لقصد التعجيل أو للخضوع بالدعاء لكونه مخ العبادة، وفي قولهم (إنك لا تخلف الميعاد) دليل على أنهم لم يخافوا خلف الوعد، وأن الحامل لهم على الدعاء هو ما ذكرنا.
وقد أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه عن ابن عباس قال: أتت قريش اليهود فقالوا ما جاءكم به موسى من الآيات؟ قالوا عصاه ويده بيضاء للناظرين، وأتوا النصارى فقالوا: كيف كان عيسى