والرابع: واجعلوا بيوتكم التي بالشام قبلة لكم في الصلاة، فهي قبلة اليهود إلى اليوم، قاله ابن بحر.
فإن قيل: البيوت جمع، فكيف قال (قبلة) على التوحيد؟ فقد أجاب عنه ابن الأنباري، فقال: من قال: المراد بالقبلة الكعبة، قال: وحدت القبلة لتوحيد الكعبة. قال: ويجوز أن يكون أراد: اجعلوا بيوتكم قبلا، فاكتفى بالواحد من الجميع، كما قال العباس بن مرداس:
فقلنا أسلموا إنا أخوكم * فقد برئت من الإحن الصدور يريد: إنا إخوتكم. ويجوز أن يكون وحد (قبلة) لأنه أجراها مجرى المصدر، فيكون المعنى: واجعلوا بيوتكم إقبالا على الله، وقصدا لما كنتم تستعملونه في المساجد. ويجوز أن يكون وحدها، والمعنى: واجعلوا بيوتكم شيئا قبلة، ومكانا قبلة، ومحلة قبلة.
قوله تعالى: (وأقيموا الصلاة) قال ابن عباس: أتموا الصلاة (وبشر المؤمنين) أنت يا محمد. قال سعيد بن جبير: بشرهم بالنصر في الدنيا، وبالجنة في الآخرة.
قوله تعالى: (ربنا إنك آتيت فرعون وملأه زينة وأموالا) قال ابن عباس: كان لهم من لدن فسطاط مصر إلى أرض الحبشة جبال فيها معادن ذهب وفضة وزبرجد وياقوت.
قوله تعالى: (ليضلوا عن سبيلك) وفي لام (ليضلوا) أربعة أقوال:
أحدها: أنها لام (كي) والمعنى: إنك آتيتهم ذلك كي يضلوا وهذا قول الفراء.
والثاني: أنها لام العاقبة، والمعنى: إنك آتيتهم ذلك فأصارهم إلى الضلال، ومثله قوله:
(ليكون لهم عدوا وحزنا) أي: آل أمرهم إلى أن صار لهم عدوا، لا أنهم قصدوا ذلك، وهذا كما تقول للذي كسب مالا فأداه إلى الهلاك: إنما كسب فلان لحتفه، وهو لم يكسب المال طلبا للحتف، وأنشدوا:
وللمنايا تربي كل مرضعة * وللخراب يجد الناس عمرانا وقال آخر:
وللموت تغذو الوالدات سخالها * كما لخراب الدور تبنى المساكن وقال آخر:
فإن يكن الموت أفناهم * فللموت ما تلد الوالدة أراد: عاقبة الأمر ومصيره إلى ذلك، هذا قول الزجاج.