ولم يقل: جلود، ومثله:
كلوا في نصف بطنكم تعيشوا * فإن زمانكم زمن خميص وإنما جاز التوحيد، لأن أكثر الكلام يواجه به الواحد.
وقال غيره: اليمين راجعة إلى لفظ ما، وهو واحد، والشمائل راجعة إلى المعنى.
قوله تعالى: (سجدا لله) قال ابن قتيبة: مستسلمة، منقادة، وقد شرحنا هذا المعنى عند قوله تعالى: (وظلالهم بالغدو والآصال) وفي قوله تعالى: (وهم داخرون) قولان:
أحدهما: والكفار صاغرون.
والثاني: وهذه الأشياء داخرة مجبولة على الطاعة، قال الأخفش: إنما ذكر من ليس من الإنس، لأنه لما وصفهم بالطاعة أشبهوا الإنس في الفعل.
قوله تعالى: (ولله يسجد ما في السماوات..) الآية. الساجدون على ضربين.
أحدهما: من يعقل، فسجوده عبادة.
والثاني: من لا يعقل، فسجوده بيان أثر الصنعة فيه، والخضوع الذي يدل على أنه مخلوق، هذا قول جماعة من العلماء، واحتجوا في ذلك بقول الشاعر:
بجيش تضل البلق في حجراته ترى الأكم فيه سجدا للحوافر قال ابن قتيبة: حجراته، أي: جوانبه، يريد أن حوافر الخيل قد قلعت الأكم ووطئتها حتى خشعت وانخفضت. فأما الشمس والقمر والنجوم، فألحقها جماعة بمن يعقل، فقال أبو العالية:
سجودها حقيقة، ما منها غارب إلا خر ساجدا بين يدي الله عز وجل، ثم لا ينصرف حتى يؤذن له، ويشهد لقول أبي العالية، حديث أبي ذر قال: كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد حين وجبت الشمس، فقال: " يا أبا ذر! تدري أين ذهبت الشمس " قلت: الله ورسوله أعلم، قال: " فإنها تذهب حتى تسجد بين يدي ربها عز وجل، فتستأذن في الرجوع، فيؤذن لها، فكأنها قد قيل لها: ارجعي من حيث جئت، فترجع إلى مطلعها فذلك مستقرها، ثم قرأ: (والشمس تجري لمستقر لها) أخرجه البخاري ومسلم. وأما النبات والشجر، فلا يخلو سجوده من أربعة أشياء.
أحدها: أن يكون سجودا لا نعلمه وهذا إذا قلنا: إن الله يودعه فهما.
والثاني: أنه تفيؤ ظلاله.
والثالث: بيان الصنعة فيه.