على البعث بقوله: (إنما قولنا لشئ إذا أردناه أن نقول له كن فيكون) قرأ ابن كثير، ونافع، وعاصم، وأبو عمرو، وحمزة " فيكون " رفعا، وكذلك في كل القرآن. وقرأ ابن عامر، والكسائي " فيكون " نصبا. قال مكي بن إبراهيم: من رفع، قطعه عما قبله، والمعنى: فهو يكون، ومن نصب، عطفه على " يقول "، وهذا مثل قوله: (وإذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون)، وقد فسرناه في البقرة.
فإن قيل: كيف سمي الشئ قبل وجوده شيئا؟.
فالجواب: أن الشئ وقع على المعلوم عند الله قبل الخلق، لأنه بمنزلة ما قد عوين وشوهد.
قوله تعالى: (والذين هاجروا في الله) اختلفوا فيمن نزلت على ثلاثة أقوال:
أحدها: أنها نزلت في ستة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، بلال، وعمار، وصهيب، وخباب بن الأرت، وعايش وجبر موليان لقريش، أخذهم أهل مكة فجعلوا يعذبونهم، ليردوهم عن الإسلام، قاله أبو صالح عن ابن عباس.
والثاني: أنها نزلت في أبي جندل بن سهيل بن عمرو، قاله داود بن أبي هند.
والثالث: أنهم جميع المهاجرين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، قاله قتادة. ومعنى " هاجروا في الله "، أي: في طلب رضاه وثوابه (من بعد ما ظلموا) بما نال المشركون منهم، (لنبوئنهم في الدنيا حسنة) وفيها خمسة أقوال:
أحدها: لننزلنهم المدينة، روى هذا المعنى أبو صالح عن ابن عباس، وبه قال الحسن، والشعبي، وقتادة، فيكون المعنى: لنبوئنهم دارا حسنة وبلدة حسنة.
والثاني: لنرزقنهم في الدنيا الرزق الحسن، قاله مجاهد.
والثالث: النصر على العدو، قاله الضحاك.
والرابع: أنه ما بقي بعدهم من الثناء الحسن، وصار لأولادهم من الشرف، ذكره الماوردي، وقد روي معناه عن مجاهد، فروى عنه ابن أبي نجيح أنه قال: (لنبوئنهم في الدنيا حسنة) قال:
لسان صادق.
والخامس: أن المعنى: لنحسنن إليهم في الدنيا، قال بعض أهل المعاني: فتكون على هذه الأقوال " لنبوئنهم "، على سبيل الاستعارة، إلا على القول الأول.
قوله تعالى: (ولأجر الآخرة أكبر) قال ابن عباس: يعني: الجنة، (لو كانوا يعلمون) يعني:
أهل مكة.