قال: (ومنها جائر) كما دل الحدثان على الحوادث في قول العبدي:
ولا يبقى على الحدثان حي * فهل يبقى عليهن السلام أراد: فهل يبقى على الحوادث، والسلام: الصخور، قال: ويجوز أن يكون إنما قال: (ومنها) لأن السبيل تؤنث وتذكر، فالمعنى: من السبيل جائر. وقال ابن قتيبة: المعنى: ومن الطرق جائر لا يهتدون فيه، والجائر: العادل عن القصد، قال ابن عباس: (ومنها جائر) الأهواء المختلفة. وقال ابن المبارك: الأهواء والبدع.
قوله تعالى: (هو الذي أنزل من السماء ماء) يعني: المطر (لكم منه شراب) وهو ما تشربونه، (ومنه شجر) ذكر ابن الأنباري في معناه قولين.
أحدهما: ومنه سقي شجر، وشرب شجر، فخلف المضاف إليه المضاف، كقوله: (وأشربوا في قلوبهم العجل).
والثاني: أن المعنى: ومن جهة الماء شجر، ومن سقيه شجر، ومن ناحيته شجر، فحذف الأول، وخلفه الثاني، قال زهير:
لمن الديار بقنة الحجر * أقوين من حجج ومن شهر أي: من ممر حجج. قال ابن قتيبة: والمراد بهذه الشجر: المرعى. وقال الزجاج: كل ما نبت على الأرض فهو شجر، قال الشاعر يصف الخيل:
يعلفها اللحم إذا عز الشجر * والخيل في إطعامها اللحم ضرر يعني: أنهم يسقون الخيل اللبن إذا أجدبت الأرض. و (تسيمون) بمعنى: ترعون، يقال:
سامت الإبل فهي سائمة: إذا رعت، وإنما أخذ ذلك من السومة، وهي: العلامة، وتأويلها: أنها تؤثر في الأرض برعيها علامات.
قوله تعالى: (ينبت لكم به الزرع) وروى أبو بكر عن عاصم: " ننبت " بالنون. قال ابن عباس: يريد الحبوب، وما بعد هذا ظاهر إلى قوله تعالى: (والنجوم مسخرات بأمره) قال الأخفش: المعنى: وجعل النجوم مسخرات، فجاز إضمار فعل غير الأول، لأن هذا المضمر في المعنى مثل المظهر، وقد تفعل العرب أشد من هذا، قال الراجز:
تسمع في أجوافهن صردا * وفي اليدين جسأة وبددا