ما حملوا على ظهورهم.
قوله تعالى: (قد مكر الذين من قبلهم) قال المفسرون: يعني به: النمرود بن كنعان، وذلك أنه بنى صرحا طويلا، واختلفوا في طوله، فقال ابن عباس: خمسة آلاف ذراع، وقال مقاتل: كان طوله فرسخين، قالوا: ورام أن يصعد إلى السماء ليقاتل أهلها بزعمه. ومعنى " المكر " هاهنا:
التدبير الفاسد: وفي الهاء والميم من " قبلهم " قولان:
أحدهما: أنها للمقتسمين على عقاب مكة، قاله ابن السائب.
والثاني: لكفار مكة، قاله مقاتل.
قوله تعالى: (فأتى الله بنيانهم من القواعد) أي: من الأساس. قال المفسرون: أرسل الله ريحا فألقت رأس الصرح في البحر، وخر عليهم الباقي.
قال السدي: لما سقط الصرح، تبلبلت ألسن الناس من الفزع، فتكلموا بثلاثة وسبعين لسانا، فلذلك سميت " بابل " وإنما كان لسان الناس قبل ذلك بالسريانية، وهذا قول مردود، لأن التبلبل يوجب الاختلاط والتكلم بشئ غير مستقيم، فأما ان يوجب إحداث لغة مضبوطة الحواشي، فباطل، وإنما اللغات تعليم من الله تعالى.
فإن قيل: إذا كان الماكر واحدا، فكيف قال: " الذين " ولم يقل: " الذي "؟ فعنه ثلاثة أجوبة:
أحدها: أنه كان الماكر ملكا له أتباع، فأدخلوا معه في الوصف.
والثاني: أن العرب توقع الجمع على الواحد، فيقول قائلهم: خرجت إلى البصرة على البغال، وإنما خرج على بغل واحد.
والثالث: أن " الذين " غير موقع على واحد معين، لكنه يراد به: قد مكر الجبارون الذين من قبلهم، فكان عاقبة مكرهم رجوع البلاء عليهم، ذكر هذه الأجوبة ابن الأنباري. قال: وذكر بعض العلماء: أنه إنما قال: " من فوقهم " لينبه على أنهم كانوا تحته، إذ لو لم يقل ذلك، لاحتمل أنهم لم يكونوا تحته، لأن العرب تقول: سقط علينا البيت، وخر علينا الحانوت، وتداعت علينا الدار، وليسوا تحت ذلك.
قوله تعالى: (وأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون) أي: من حيث ظنوا أنهم آمنوا فيه. قال السدي: أخذوا من مأمنهم، وروى عطية عن ابن عباس قال: خر عليهم عذاب من السماء وعامة المفسرين على ما حكيناه من أنه بنيان سقط. وقال ابن قتيبة: هذا مثل، والمعنى: أهلكهم الله،