أزهير إن يشب القذال فإنني * رب هيضل مرس لففت بهيضل و " رب " كلمة موضوعة للتقليل، كما أن " كم " للتكثير، وإنما زيدت " ما " مع " رب " ليليها الفعل، تقول: رب رجل جاءني، وربما جاءني زيد. وقال الأخفش: أدخل مع " رب " ما، ليتكلم بالفعل بعدها، وإن شئت جعلت " ما " بمنزلة " شئ "، فكأنك قلت: رب شئ، أي: رب ود يوده الذين كفروا. وقال أبو سليمان الدمشقي: " ما " ها هنا بمعنى " حين "، فالمعنى: رب حين يودون فيه. واختلف المفسرون متى يقع هذا من الكفار، على قولين:
أحدهما: أنه في الآخرة. ومتى يكون ذلك؟ فيه أربعة أقوال:
أحدها: أنه إذا اجتمع أهل النار في النار ومعهم من شاء الله من أهل القبلة، قال الكفار للمسلمين: ألم تكونوا مسلمين؟ قالوا: بلى، قالوا: فما أغنى عنكم إسلامكم وقد صرتم معنا في النار؟ قالوا: كانت لنا ذنوب فأخذنا بها، فسمع الله ما قالوا، فأمر بمن كان في النار من أهل القبلة فأخرجوا، فلما رأى ذلك الكفار، قالوا: يا ليتنا كنا مسلمين فنخرج كما أخرجوا، رواه أبو موسى الأشعري عن النبي صلى الله عليه وسلم، وذهب إليه ابن عباس في رواية وأنس بن مالك، ومجاهد، وعطاء، وأبو العالية، وإبراهيم.
والثاني: أنه ما يزال الله يرحم ويشفع حتى يقول: من كان من المسلمين فليدخل الجنة، فذلك حين يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين، رواه مجاهد عن ابن عباس.
والثالث: أن الكفار إذا عاينوا القيامة، ودوا لو كانوا مسلمين، ذكره الزجاج.
والرابع: أنه كلما رأى أهل الكفر حالا من أحوال القيامة يعذب فيها الكافر ويسلم من مكروهها المؤمن، ودوا ذلك، ذكره ابن الأنباري.
والقول الثاني: أنه في الدنيا، إذا عاينوا وتبين لهم الضلال من الهدى وعلموا مصيرهم، ودوا ذلك، قاله الضحاك.
فإن قيل: إذا قلتم: إن " رب " للتقليل، وهذه الآية خارجة مخرج الوعيد، فإنما يناسب الوعيد تكثير ما يتواعد به؟ فعنه ثلاثة أجوبة ذكرها ابن الأنباري.
أحدها: أن " ربما " تقع على التقليل والتكثير، كما يقع الناهل على العطشان والريان، والجون على الأسود والأبيض.
والثاني: أن أهوال القيامة وما يقع بهم من الأهوال تكثر عليهم، فإذا عادت إليهم عقولهم، ودوا ذلك.