فلما رأت الملائكة ما يلقى من الكرب، قالوا: يا لوط إنا رسل ربك، فافتح الباب ودعنا وإياهم، ففتح الباب، فدخلوا، واستأذن جبريل ربه في عقوبتهم، فأذن له، فضرب بجناحه وجوههم فأعماهم، فانصرفوا يقولون: النجاء النجاء، فإن في بيت لوط أسحر قوم في الأرض، وجعلوا يقولون: يا لوط، كما أنت حتى تصبح، يوعدونه، فقال لهم لوط: متى موعد هلاكهم؟ قالوا:
الصبح، قال: لو أهلكتموهم الآن، فقالوا: أليس الصبح بقريب؟ وقال أبو صالح عن ابن عباس: إنهم لما تواعدوه، قال في نفسه: ينطلق هؤلاء القوم غدا من عندي، وأبقى مع هؤلاء فيهلكوني، فقال: لو أن لي بكم قوة.
قلت: وإنما يتوجه هذا إذا قلنا: إنه كان قبل علمه أنهم ملائكة. وقال قوم: إنه إنما قال هذا لما كسروا بابه وهجموا عليه. وقال آخرون: لما نهاهم عن أضيافه فأبوا قال هذا.
وفي الجملة، ما أراد بالركن نصر الله وعونه، لأنه لم يخل من ذلك، وإنما ذهب إلى العشيرة والأسرة.
وروى أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " رحم الله لوطا، لقد كان يأوي إلى ركن شديد، وما بعث الله نبيا بعده إلا في ثروة من قومه ".
قوله تعالى: (لن يصلوا إليك) قال مقاتل: فيه إضمار، تقديره: لن يصلوا إليك بسوء، وذلك أنهم قالوا للوط: إنا نرى معك رجالا سحروا أبصارنا، فستعلم غدا ما تلقى أنت وأهلك، فقال له جبريل: (إنا رسل ربك لن يصلوا إليك).
قوله تعالى: (فأسر بأهلك) قرأ عاصم، وأبو عمرو، وابن عامر، وحمزة، والكسائي " فأسر " بإثبات الهمز في اللفظ من أسريت. وقرأ ابن كثير، ونافع " فاسر بأهلك " بغير همز من سريت، وهما لغتان. قال الزجاج: يقال: سريت، وأسريت: إذا سرت ليلا، قال الشاعر:
سريت بهم حتى تكل مطيهم * وحتى الجياد ما يقدن بأرسان وقال النابغة:
أسرت عليه من الجوزاء سارية * تزجي الشمال عليه جامد البرد وقد رووه: سرت فأما أهله، فقال مقاتل: هم امرأته وابنتاه، واسم ابنتيه: ربثا وزعرثا.
وقال السدي: اسم الكبرى: رية، واسم الصغرى: عروبة، والمراد بأهله: ابنتاه. فأما القطع، فهو بمعنى القطعة، يقال: مضى قطع من الليل، أي: قطعة. قال ابن عباس: يريد به: آخر الليل. وقال ابن قتيبة: " بقطع " أي: ببقية تبقي من آخره. وقال ابن الأنباري: ذكر القطع بمعنى القطعة مختص بالليل، ولا يقال: عندي قطع من الثوب، بمعنى: عندي قطعة.