لأن الواجب الكفائي مع وجود من يقوم به يسقط وجوبه عن الباقين، فيكون مستحبا ويكون هذا من القسم الثاني في التقسيم الأول. وما يتوقف عليه الوصول إلى مرتبة الاجتهاد من العلوم الآتية وغيرها تابع له في الوجوب والاستحباب.
ثم إعلم أيضا أن تحصيل الرزق منه ما يكون واجبا وهو ما يحصل به البلغة والكفاف لنفسه وعياله الواجبي النفقة عليه بحيث يخرج عن أن يكون مضيقا. ومنه ما يكون مستحبا، وهو طلب ما زاد على ذلك للتوسعة على نفسه وعياله، وهو الصرف في وجوه البر والخيرات. ومنه ما يكون مكروها وهو ما يقصد به الزيادة في جمع المال وادخاره والمكاثرة والمباهاة به والحرص عليه. ومنه ما يكون محرما وهي ما يقصد بتحصيله الصرف في اللهو واللعب والمعاصي ونحو ذلك.
إذا عرفت ذلك فاعلم: أن وجه ما أشرنا إليه آنفا من التفصيل، هوان هيهنا صورا:
(إحديها) تعارض الواجب العيني من طلب العلم مع الواجب من طلب الرزق، والظاهر أن الواجب هنا تقديم طلب الرزق إن انسدت عليه وجوه التحصيل مما سواه لأن في تركه حينئذ القاء باليد إلى التهلكة. والمعلوم من الشارع في جملة من الأحكام تقديم مراعاة الأبدان على الأديان، ولهذا أوجب الافطار على المريض المتضرر بالصوم وإن أطاقه. والتيمم على المتضرر بالماء وإن لم يبلغ المشقة، والقعود في الصلاة على المتضرر بالقيام. وأباح الميتة لمن اضطر إليها، ونحو ذلك مما يقف عليه المتتبع. أما لو حصل له من وجه الزكاة أو نحوها مما يمونه وجب تقديم العلم البتة.
(وثانيها) تعارض الواجب العيني من العلم، مع المستحب من طلب الرزق ولا ريب في تقديم طلب العلم.
(وثالثها) تعارض الواجب من طلب الرزق، مع الواجب الكفائي من طلب العلم، ولا ريب أيضا في تقديم طلب الرزق لما ذكر في الصورة الأولى.