وفي آخر عن أمير المؤمنين عليه السلام " كم من متعب نفسه مقتر عليه. ومقتصد في الطلب قد ساعدته المقادير " (1).
وبالجملة فإن الانسان متى أيقن أن الرزق بيد الله سبحانه وأنه قد قسمه من عالم الأزل، وضمن ايصاله لصاحبه وأنه إنما أمره بالطلب والتعرض له من مظانه، لكي يأتيه كما وعد به، وقد روى: " الرزق رزقان، رزق تطلبه ورزق يطلبك " (2).
وحينئذ فالعاقل العالم بذلك لا يهم بذلك ولا يشغل فكره، ولا يتعب ليله ونهاره، ولا يتجاوز الحدود الشرعية في طلبه. ولكن الشيطان الرجيم والنفس الأمارة، والجهل بالأحكام الشرعية والحدود المرعية، هي السبب في وقوع الناس في شباك (3) الخناس وتضييعهم الدين في طلب هذه الدنيا الدنية، فإنهم يرون أن ما يحصلونه إنما حصل بجدهم واجتهادهم وحيلهم وأفكارهم وسعيهم الليل والنهار في ذلك، وهذا هو الداء الذي لا دواء له.
وقد روى في الكافي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: " كان أمير المؤمنين عليه السلام كثيرا ما يقول: إعلموا علما يقينا، إن الله عز وجل لم يجعل للعبد وإن اشتد جهده وعظمت حيلته وكثرت مكابدته، أن يسبق ما سمى له في الذكر الحكيم، ولم يحل بين العبد في ضعفه وقلة حيلته، أن يبلغ ما سمى له في الذكر الحكيم.
أيها الناس إنه لن يزداد امرء نقيرا بحذقه ولم ينقص امرء نقيرا لحمقه، فالعالم لهذا العامل به أعظم الناس راحة في منفعته. والعالم لهذا التارك له أعظم الناس شغلا في مضرته. ورب منعم عليه مستدرج بالاحسان إليه، ورب مغرور من الناس مصنوع له. فأفق أيها الساعي من سعيك وقصر من عجلتك، وانتبه من سنة غفلتك " الحديث. (4)