ثم إن قوله تعالى: * (وهم فيها خالدون) * ظاهر في أنهم في الحال فيها، وفي الساعة قاطنون في الجنة، فالجنة تكون لها الوجود السعي المستولي عليهم وعلى الدنيا، حتى يصح اعتبار كون أهل الدنيا فيها، كما يقال: زيد في ثوبه، مع أن الثوب يشتمل عليه، فتكون الآية من الشواهد على المسألة الأخرى، التي ترجع إلى المسألة الأولى في الحقيقة، وهو أن الجنة والنار من الوجودات الكلية السعية، التي تكون مظهر الاسم " الرحمن "، وفي حذائها الجحيم، فهم الآن في الجنة، وهم الآن في النار، وإن النار محيطة بالكافرين، وإن المؤمنين هم في الجنة خالدون، فأجري المشتق عليهم، وظاهره أن الجري بلحاظ الحال - كما هو التحقيق في الأصول - إلا إذا كانت القرينة على خلافه.
فالمؤمن في الجنة باطنا وفي الدنيا - وهي صورة الجحيم - ظاهرا.
والكافر في الجحيم ظاهرا وباطنا إلا أنه يتوهم توهما خياليا أنه في الجنة، لما في الدنيا له من الاستلذاذ والتلذذ والتنعم، ولنعم ما ورد في أحاديثنا: " الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر " (1).
أقول: ربما يناقش في الاستدلال بالآية الشريفة، من ناحية أن قوله تعالى: * (كلما رزقوا منها) * - حكاية عن مقالة المؤمنين - ظاهر في أن المقاولة تكون في الجنة، فالخلود يجري مجرى الاستقبال، فلا يشهد على أنهم في الجنة في الحال، بل هم في الجنة في الاستقبال، ويكونون خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض.