القرآن، كما هو واضح ظاهر.
وتنحل المشكلة الثانية: أولا: بأن مقالة الكفار تصح على معتقد المؤمنين، وكأنهم يخاطبونهم: بأن هذه الأمثال لا تكون صالحة، يهتدي بها كثير ويضل بها كثير على حسب زعمكم، ولذلك أجيبوا: بأنه ما يضل بها إلا الفاسقون.
وثانيا: يجوز أن يكون المراد من الذين كفروا المرتدين، فإنهم بعد ما آمنوا وسمعوا الأمثال ارتدوا، وقالوا وكانوا يقولون: ما لهذا الكتاب يضل كثيرا ويهدي كثيرا بالقياس إلى ظروف إيمانهم وإذعانهم، ولأجل ذلك نسبوا الأمثال إلى الله تعالى أيضا، وأرادوا من الإضلال هو الكفر بعد الإيمان، ولذلك لا يناقضه قوله تعالى: * (وما يضل به إلا الفاسقين) *، لأنهم ما كانوا مؤمنين بحسب الحقيقة، بل كانوا فاسقين وكافرين، وغير معتقدين واقعا وجدا، وإلا تلزم المناقضة والمشكلة الأخرى، وهي أنه إذا كان يضل به الفاسقين، فيلزم صدق تقسيمهم وقولهم: يضل به كثيرا ويهدي به كثيرا.
وثالثا: يجوز أن يكون المراد من الإضلال والهداية في كلام الكافرين - بمناسبة الحكم والموضوع - هو الإضلال إلى الإسلام والهداية إلى ضد الإسلام، فيعترضون بأن هذا الكتاب فيه المناقضة، لأنه يشتمل على ما يضل به كثيرا، فيدخلون في الإسلام، ويهدي به كثيرا، فيخرجون عنه، * (وما يضل به إلا الفاسقين) * جواب عن هذه النسبة والتخيل الباطل والوهم العاطل.
ورابعا: أن من المحتمل أن لا يكون قوله تعالى: * (يضل به كثيرا) * مقول قول الكافرين، وقد حذف حرف العطف لتعارفه في النظم والنثر، إلا أنه خلاف الأصل.