أقول: هذا التخيل البارد والتوهم الناشئ من الغفلة، كان في كثير من الآيات المكررة المضامين أو مكررة الألفاظ، ذاهلين عن أن هذا الكتاب نموذج الحياة الاجتماعية وبرنامج السعادة الجامعة الأبدية، فلو كان حديث الحشر والنشر وثمرات القيامة ويوم البعث، من أهم أحاديث الكتاب، ومن أهم المسائل اللازم الإيمان بها والاعتقاد، فهل إلى ترك الاهتمام سبيل، أم يشرع في شريعة العقل والأدب كلا الإصرار في ذلك، ولزوم التكرار ووجوب البدار إلى تركيز الأمر عليها؟! ولا طريق إلى فهمهم ونيلهم إلا التشبث بالألفاظ الحاكيات، وتكرار الجمل المعربة والتراكيب المختلفة، مع رعاية وجوه البلاغة والفصاحة بنشر هذا الأمر العظيم في الآيات وفي السور المختلفة، ولا سيما أن الإنسان بحسب النوع منجذب إلى هذه النشاطات النفسانية واللذائذ الحيوانية، وأنه يظن أن في اتباع الدين الإسلامي الحنيف ترك جميع اللذائذ والمطاعم والمناكح، فيرشدهم الكتاب أن في ترك هذه اللذة المحدودة المقصورة الممزوجة بالآلام لذائذ مطلقة دائمية سليمة عن كافة الآفات والسيئات.
فلاحظ أن فطرة البشر الثانية، فطرة الأكل والحيوانية، وفطرة الشهوة والشيطنة، وفطرة الاستراحة والالتذاذ، فلابد من دعوتهم إلى تلك الفطرة بوجه أعلى وأحسن، حتى يرتكز في قلوبهم هذا الأمر، ويعتقدوا أن في الآخرة أحسن الأشياء المتخيلة في الدنيا، وأن الآخرة دار الحياة الأبدية ودار النعيم الدائمية، وفيها كذا وكذا، حتى يهتدوا إلى الحق ولو بالرتبة الدنيا من الهداية، والمرحلة الأولى من الكمال اللازم.
فبالجملة: القرآن ليس كتابا لسرد القصص، حتى لا يتكرر قصته، بل