الفاسدين بالعناوين العامة الكلية المتقلبة في الصدق، دون العناوين الخاصة الشخصية الغير القابلة للفرار عن الاندراج تحتها، وعن الصدق والانطباق القهري، مثلا إذا أخذ عنوان اليهود والنصارى أو عنوان بني فلان وفلان، فإنه لا يمكن لتلك الطائفة الفرار عنها، فإذا أخذه القرآن طريق تعييرهم وتوبيخهم، فربما ينتهي الأمر إلى العناد واللجاج، وإلى الضلالة والغواية، بخلاف العناوين العامة، كالكافر والفاسق والمفسد وناقض العهد وغير ذلك، ولذلك ترى في هذه الآيات أنها مع كونها ناظرة حسب بادي النظر إلى أهل الكتاب، إلا أنه لم يذكروا بعنوانهم الخاص هنا، وإن ذكروا في بعض الأحيان لانقطاع الأمر بالنسبة إليهم أحيانا، فقوله تعالى: * (الذين ينقضون...) * إلى آخره، ظاهر في قوم كانوا معتقدين ومتعاهدين حسب اعتقاداتهم الدينية لوجود كتب عندهم تشهد بظهور النبي الخاتم، ولوجود الدلائل الخاصة لديهم الواصلة إليهم من أسلافهم والأوصياء السابقين، وأنهم كانوا متعهدين بالأمر الكلي والأصل العنواني، إلا أن الجهات الخارجية والأوصاف الشخصية والنعوت اللا إنسانية، تلجئهم إلى خلاف ذلك ونقض عهدهم وترك العمل بما أمر الله به أن يوصل، ويفسدون في الأرض، ولا يقبلون الحق المستدل عليه بالآيات القرآنية، ولا بما عندهم من الكتب الاخر، كالتوراة والإنجيل وغيرهما.
فبالجملة: في هذه الطريقة المتخذة في هذه الآيات، نهاية الدقة والظرافة في دعوة أهل الكتاب، وأنهم هم الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه بالأمور السالفة وبالآيات السابقة وبالعهد القديم في صلب أبيهم آدم، فلاوجه لاختلاف المفسرين في المقام من تخيلهم الاختلاف