يرتضون وجود صفة كمالية لأصل الوجود لأنفسهم دون الله تبارك وتعالى مع ظهور الآيات من نسبة الإرادة إليه تعالى؟! وأما الآيات الموهمة لتعددها، فمنها قوله تعالى: * (ثم استوى إلى السماء) * بعد قوله تعالى: * (خلق لكم) *، ولا معنى لذلك إلا بتعدد الإرادتين، فتكون الإرادة من صفات الفعل عندهم، غافلين عن أن الإرادة التي من الصفة تحتاج في تحققها إلى الإرادة، فيلزم التسلسل، وعند ذلك نقول: إن تعدد الأفعال أو تعاقب الأمور الكثيرة لا يلزم منه تعدد الإرادة، لإمكان تعلقها من الأول بالشيئين المتعاقبين، مع كون المراد أيضا واحدا، والتعاقب في لوازم ذلك المراد بالذات، وتفصيله في محله.
وعلى هذا يتعدد النسب بين صاحب الإرادة وبين تلك اللوازم والحدود والعناوين، وهي الخلق والاستواء، أو خلق الأب ثم الابن، فتعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا، وقد قال الله تعالى: * (يفعل الله ما يشاء) * (1) فكيف يكون المشيئة صفة الفعل، نعم المشيئة فيه لمكان كونها عن العلم المطلق والقدرة المطلقة، تكون أزلية واقعة على المصالح الكلية، ويكون المراد شيئا واحدا كليا سعيا لا مفهوميا، وهذا البرهان أبدعناه ونورنا الله به على أصالة الوجود وإلا فليزم تعدد الإرادة الفاعلية لتعدد الماهيات وتباينها الذاتي، فافهم واغتنم.