تقدم ما يتعلق بهذا في مواضع عديدة قال وخصه بالذكر إكراما وتشريفا وأنه خلقه إبداعا من غير واسطة أب وأم (ونفخ فيك من روحه) الإضافة للتشريف والتخصيص أي من الروح الذي هو مخلوق ولا يد لأحد فيه (أغويت الناس) قال الحافظ معنى أغويت كنت سببا لغواية من غوى منهم وهو سبب بعيد إذ لو لم يقع الأكل من الشجرة لم يقع الاخراج من الجنة ولو لم يقع الاخراج ما تسلط عليهم الشهوات والشيطان المسبب عنهما الاغواء والغي ضد الرشد وهو الانهماك في غير الطاعة ويطلق أيضا على مجرد الخطأ يقال غوى أي أخطأ صواب ما أمر به (وأخرجتهم من الجنة) أي خطيئتك التي صدرت منك (فقال ادم أنت موسى الذي اصطفاك الله بكلامه) أي اختارك بتكليمه إياك (كتبه الله علي قبل أن يخلق السماوات والأرض) أي قدره وقضاه قبل خلق السماوات والأرض وفي رواية البخاري قدره الله علي قبل أن يخلقني بأربعين سنة قال الحافظ والجمع بينه (يعني الرواية التي ليست مقيدة بأربعين سنة) وبين الرواية المقيدة بأربعين سنة حملها على ما يتعلق بالكتابة وحمل الأخرى على ما يتعلق بالعلم وقال ابن التين يحتمل أن يكون المراد بالأربعين سنة ما بين قوله تعالى إني جاعل في الأرض خليفة إلى نفخ الروح في ادم وأجاب غيره أن ابتداء المدة وقت الكتابة في الألواح واخرها ابتداء خلق ادم (فحج ادم موسى) برفع ادم على أنه الفاعل أي غلبه بالحجة يقال حاججت فلانا فحججته مثل خاصمته فخصمته قال ابن عبد البر هذا الحديث أصل جسيم لأهل الحق في إثبات القدر وأن الله قضى أعمال العباد فكل أحد يصير لما قدر له بما سبق في علم الله فإن قيل فالعاصي منا لو قال هذه المعصية قدرها الله علي لم يسقط عنه اللوم والعقوبة بذلك وإن كان صادقا فيما قاله فالجواب أن هذا العاصي باق في دار التكليف جار عليه أحكام المكلفين من العقوبة واللوم والتوبيخ وغيرها وفي لومه وعقوبته زجر له ولغيره عن مثل هذا الفعل وهو محتاج إلى الزجر ما لم يمت فأما ادم فميت خارج عن دار التكليف وعن الحاجة إلى الزجر فلم يكن في القول المذكور له فائدة بل فيه إيذاء وتخجيل كذا في شرح مسلم للنووي قوله (وفي الباب عن عمر وجندب) أما حديث عمر فأخرجه أبو داود وأبو عوانة وأما حديث جندب فأخرجه النسائي
(٢٨٢)