إن الأمام أخا النبي محمد * علم الهدى ومنارة الأيمان فقد الجيوش وسر أمام لوائه * قدما بأبيض صارم وسنان قالت: إي والله، ما مثلي من رغب عن الحق أو اعتذر بالكذب، قال لها: فما حملك على ذلك؟ قالت: حب علي واتباع الحق. قال: فوالله ما أرى عليك من أثر علي شيئا. قالت: يا أمير المؤمنين مات الرأس وبتر الذنب، فدع عنك تذكار ما قد نسي، وإعادة ما مضى، قال: هيهات ما مثل مقام أخيك ينسى وما لقيت من قومك وأخيك. قالت: صدقت - والله - يا أمير المؤمنين! ما كان أخي خفى المقام ذليل المكان ولكن كما قالت الخنساء:
وإن صخرا لتأتم الهداة به * كأنه علم في رأسه نار وبالله أسأل أمير المؤمنين إعفائي مما استعفيت منه، قال: قد فعلت، فقولي ما حاجتك؟ قالت: يا أمير المؤمنين! إنك أصحبت للناس سيدا، ولأمرهم متقلدا، و الله سائلك من أمرنا وما افترض عليك من حقنا، ولا يزال يقوم علينا من ينوء بعزك، ويبطش بسلطانك، فيحصدنا حصد السنبل، ويدوسنا دوس البقر، و يسومنا الخسيسة ويسلبنا الجليلة، هذا بسر بن أرطاة قدم علينا من قبلك. فقتل رجالي، وأخذ مالي، ولولا الطاعة لكان فينا عز ومنعة، فاما عزلته عنا فشكرناك، لا فعرفناك.
فقال معاوية: أتهددني بقومك؟ لقد هممت أن أحملك من قتب أشرس فأردك إليه ينفذ فيك حكمه، فأطرقت تبكي، ثم أنشأت تقول:
صلى الإله على جسم تضمنه قبر * فأصبح فيه العدل مدفونا قد حالف الحق لا يبغي به بدلا * فصار بالحق والأيمان مقرونا قال معاوية: ومن ذلك؟ فقالت: علي بن أبي طالب، قال: وما صنع بك حتى صار عندك كذلك؟ قالت: قدمت عليه في رجل ولاه صدقتنا، فكان بيني وبينه ما