وتحقيقه: انه إذا أريد نية الظهر مثلا، فالطريق إليها احضار المنوي بمميزاته عن غيره في الذهن، فإذا حضر قصد المكلف إلى ايقاعه تقربا إلى الله وليس فيه ترتيب بحسب التصور، وان وقع ترتيب فإنما هو بحسب التعبير عنه بالألفاظ، إذ من ضرورتها ذلك. فلو ان مكلفا أحضر في ذهنه الظهر الواجبة المؤداة، ثم استحضر قصد فعلها تقربا وكبر، كان ناويا، ولو جعل القربة مميزا، كأن يستحضر الظهر الواجبة المؤداة المتقرب بها ويكبر مع إرادة التقرب منه، صحت النية. ولكنه يكفي إرادة التقرب منه عن استحضاره أولا وعن جعله مشخصا رابعا، ولا يكفي تشخيصه عن جعله غاية، فمن ثم جعل احضار الذات والصفات مشخصات، ولم يجعل القربة مشخصا بل جعلت غاية، فاتي بلام التعليل في قوله: (للتقرب إلى الله تعالى).
فان قلت: بين لي انطباق هذه العبارة على النية المعهودة، وهي:
(أصلي فرض الظهر) إلى آخره، فان مفهوم هذه العبارة المذكورة في الكتاب يقتضي ان قوله: (أصلي) إلى آخره بعد ذلك الاحضار، فيلزم تكرر النية، أو نية النية، وهما محالان.
قلت: إذا عبر المكلف بهذه الألفاظ، فقوله: (فرض الظهر) إشارة إلى الفرض والتعيين، و (أداء) إلى الأداء، و (لوجوبه) إلى ما يقوله المتكلمون من أنه ينبغي فعل الواجب لوجوبه أو وجه وجوبه، وقوله (قربة إلى الله) هي غاية الفعل المتعبد به. وفي هذا احضار الذات والصفات كما ذكر، فقوله: (أصلي) هو عبارة عن القصد المتعلق بها وهو وان كان متقدما لفظا فإنه متأخر معنى.
وفي قولنا (للتقرب إلى الله) إشارة إلى فائدة، هي: ان الغاية ليست متعددة بل هي متحدة، أعني التقرب إلى الله تعالى الذي هو غاية كل عبادة.
وعلى ترتيب النية المعهودة بتلك الألفاظ المخصوصة وانتصابها على المفعول له، أو الاتيان فيها بلام التعليل، يشكل اعرابه من حيث عدم تعدد المفعول لأجله إذا كان المغيا واحدا الا بالواو.