قلت: وإن كان في العبارة ظهور ما في ذلك، لكن لا يبلغ مرتبة التشكيك المضر، فإنه لو بلغ خبر (أنه من صلى على النبي صلى الله عليه وآله مرة فله أجر كثير - أو - عظيم) أو (لكل كبد حراء أجر) أو (من زار أهل القبور فهو مثاب مأجور) يصدق على ذلك كله (بلوغ شئ من الثواب على شئ من الخير) بلا شبهة، والتشكيك إنما هو في أول النظر، وهو غير قادح في الدلالة.
وثالثها: إن هذه الأخبار تشمل بلوغ الثواب على الواجب وعلى ترك الحرام أيضا، فلا وجه لتخصيص المسامحة بالمستحب والمكروه، بل يمكن أن يقال: إن الخبر بظاهره غير معمول به، فيحتمل تخصيص العموم بالمندوب والمكروه، ويحتمل تقييد البلوغ بالبلوغ بدليل معتمد، ويكون المراد: أن الثواب الموعود على عمل ثبت بحجة شرعية يصل إلى العامل وإن كان قد أخطأ في اجتهاده ولم يصب الحق، أو وإن كان ذلك الدليل الذي اعتقد أنه دليل شرعي غير دليل، ولو لم نرجح الاحتمال الثاني فلا أقل من الأجمال المسقط للاستدلال.
والجواب، أولا: بأن استعمال البلوغ في الخصوصية مجاز وإن كان من باب التقييد بمقيد منفصل، والتخصيص أولى من المجاز.
وثانيا: بأن وجود لفظ (الخير) في الأخبار مما يرشد إلى عدم دخول الواجب والحرام فيه.
وثالثا: بأن ذكر الثواب والأجر مما يدل على ذلك، إذ ليس الواجبات مبنية على ذكر الثواب والأجر غالبا.
ورابعا: أن مصير المعظم في هذه الأخبار إلى تقديم التخصيص يرجح ذلك، مع أن ملاحظة مجموع الروايات مما يدل على أن هذا اختصاص لا تخصيص، فلا تذهل.
ومما ذكر ظهر الجواب عن رابعها، وهو: أن الظاهر من (البلوغ) كونه بدليل معتمد شرعا، وهذا لا يدل على المسامحة، بل يدل على أن المخطئ في الاجتهاد