هو مطلوب في نفس الأمر، ولا ريب في ترجيح العقل هنا الإتيان، ولذا نرى: أن العبيد إذا احتملوا كون شئ مطلوبا للمولى وعلموا عدم ترتب ضرر ونقص على الإتيان به يقدمون عليه بهذا الاحتمال، ويستحقون المدح من العقلاء وإن لم يكن ذلك الشئ مطلوبا في نفس الأمر.
فإذا ثبت الرجحان عند العقل فهو كاف في الحكم بالندب، غايته: أن ذلك ليس إثباتا للاستحباب في خصوص المشكوك فيه من حيث الخصوصية، بل إثبات لرجحان فعله من جهة أنه محتمل المطلوبية الذي حكم العقل برجحان الإتيان بما هو كذلك.
فإن قلت: إن العقل ما لم يقطع بعدم الضرر في الإتيان لا يحكم بالرجحان، واحتمال الضرر هنا قائم، وهو ضرر التشريع، لاحتمال أن [لا] (1) يكون في الواقع غير راجح، فإدخاله في المندوبات تشريع موجب للعقاب.
قلت: لا يدور التشريع مدار الواقع، بل هو عبارة عن: إدخال ما حكم بخروجه عن الدين فيه، ولم يعلم خروج المشكوك عن الدين حتى يلزم التشريع.
لا يقال: إن الأصل عدم الاستحباب، فهو خارج بالدليل، فإدخاله تشريع.
فإنا نقول: الأصل حجة ما لم يقم دليل مخرج عنه، فإذا حكم العقل بمجرد الشك في الإباحة والندب بالرجحان - كما أوضحناه - فلا وجه للعمل بالأصل، إذ العقل حجة شرعية - بمعنى: اعتباره شرعا - فإذا لم يكن هنا من مجاري الأصل فلا وجه للتشريع.
فإن قلت: إن هذا مستلزم للدور، إذ عدم كونه تشريعا مضرا موقوف على حكم العقل بالرجحان، وحكم العقل بالرجحان موقوف على عدم كونه تشريعا مضرا، إذ ما دام فيه احتمال الضرر لا يحكم العقل برجحانه.
قلت: نمنع المقدمة الثانية، إذ مجرد عدم احتمال الضرر فيه بالخصوص