نعم، على مذهب من يرى: أن دفع المضرة أولى من جلب المنفعة ويجعل الحرام والمكروه مضرة والواجب والمندوب منفعة فإذا تعارضا لا يحكم بالتخيير الصرف وإنما يرجح جانب المنع، فالمتجه أن يقول هنا بالكراهة ترجيحا للترك على الفعل، وهو الذي ترجح في نظري القاصر، وإن أعرض عنه متأخر الأصوليين والأستاذ وأستاذ الأستاذ بتقريب: أن ترك الواجب أيضا يرجع إلى الحرام وهو الضرر.
قلنا: فرق بين الضرر الموجب للنقصان في استعداد المكلف عن أصل مقتضى الطبيعة الساذج - كما في فعل الحرام - وبين الضرر الناشئ عن فوات أمر زائد على مقتضاها كان لازما تحصيله ودعت الحاجة إليه احتياجا ضروريا، والفرق بين المقامين واضح، وتمام الكلام في الأصول، مع أن مقامنا هذا لا يتوقف على ذلك، إذ بعد ضعف الدليلين لا كلام لنا في الوجوب والتحريم، بل هما منفيان بالأصل.
نعم، بقي عندنا بلوغ الثواب على الفعل في دليل الوجوب، وعلى الترك في دليل التحريم. والمسامحة تقضي بالندب نظرا إلى الأول، وفي الثاني تقضي بالكراهة بالتقرير السابق في الإباحة والوجوب.
فنقول: الترجيح لجانب الكراهة، لأنه دفع مفسدة ذاتية في هذا العمل محتملة (1) والإتيان به تحصيل لمصلحة محتملة ندبية لا ضرر في تركها، لا دينا ولا دنيا أبدا، وليس كمصلحة الوجوب التي يضر تركها للعقاب عليه، بخلاف المفسدة في الكراهة، فإنها وإن لم توجب العقاب لكنها موجبة لنقص في المكلف مانع عن ترقيه إلى معارج تقوى الله، ومن ارتكب الشبهات وقع في المحرمات (2).
فالذي يقوى في النظر: القول بالكراهة، لقاعدة التسامح.