أحدها: أن غاية ما دلت عليه هذه الأخبار: أن من بلغه عمل قد دل على مشروعيته دليل وبلغ على ذلك العمل جزاء وثواب، فمن أتى به ابتغاء ذلك أوتيه.
وهذا لا يدل على المسامحة في مطلق ما بلغ أنه مستحب.
والجواب عنه: بأن بلوغ الثواب على عمل لا يدل على كون العمل ثابتا بدليل آخر، بل يشمل ما لو كان ذكر أصل العمل وثوابه في خبر واحد، ولا يقتضي أن يكون العمل ثابتا أولا في الشرع ثم يجئ خبر على أن له كذا ثوابا، لظاهر أعمية اللفظ ومنع انصرافه إلى ما ذكره بحيث يضر بالدلالة.
وثانيها: إنها تختص بمستحب يكون له ذكر ثواب وجزاء ولو كان في دليل واحد، ولا يشمل ما دل على الرجحان من دون ذكر ثواب.
قلت: يتم أولا في سائر المندوبات بعدم القول بالفصل.
وثانيا نقول: إن كلما بلغ أن العمل مستحب فقد بلغ أن له أجرا وثوابا، إذ كل عمل صالح داخل تحت الطاعة له ثواب، فبلوغ الاستحباب بلوغ للثواب التزاما.
فإن قلت: إنا نمنع شمول هذه الأخبار على الخبر الالتزامي، فإن الظاهر من البلوغ خلاف ذلك، سيما وفي الخبر الأول: من سمع شيئا من الثواب.
قلت: لا ريب أن خصوصية السماع غير معتبرة، فلو رآه مكتوبا في كتاب معتبر لكان ذلك كافيا، وإنما الغرض الوصول إلى العامل بطريق من الطرق العادية، ولا ريب أن بلوغ استحباب شئ يصدق عليه (بلوغ الأجر عليه) إذ لا نعقل من معنى الندب إلا ما يستحق فاعله الثواب والأجر، فتدبر.
فإن قلت: ظاهر تنكير الثواب بلوغ ثواب معين عليه، وكذا ظاهر قوله: (كان له أجره). وبعبارة أخرى: المتبادر من الأدلة: بلوغ مقدار خاص من الثواب حتى يعمل العمل لأجله فيثاب به، وهذا لا يشمل ما دل على الندب، وإن دل على الثواب إجمالا التزاما، لكن ليس ثوابه معلوم المقدار، بل غاية إفادته أن هناك ثوابا.