ويدل على ذلك الاحتياط العقلي، بمعنى: أنه لو علم الإنسان بعدم مضرة في الترك واحتمل وجودها في الإتيان به يحكم العقل برجحان الترك بلا شبهة.
وكذلك الاحتياط الشرعي بالتقرير السابق في الندب والكلام ما مر. وكذلك محكي الإجماع، فإنه شامل للكراهة أيضا في كلام ناقله، معتضد بما هو المعلوم من طريقة الأصحاب من عدم تفرقتهم بين الحكمين في هذا الباب. وكذلك الوجه الرابع بتأييد جانب الكراهة بالشهرة، أو بإدخال الخبر الدال عليه تحت الخبر المتبين فيه، على نحو ما مر.
وأما الأخبار، فنقول: وإن كان ظاهرها مختصا بالمندوب بقرينة ذكر الخير والثواب ولفظ (العمل) المتبادر منه الفعل، لا الترك.
لكن نقول: إن قلنا بأن ترك المكروه مستحب - كما هو أحد الوجهين فيه - فالخبر الدال على الكراهة يفيد استحباب الترك للتلازم، فيفيد الثواب على هذا الخبر أيضا بالتلازم، فيندرج تحت الأخبار ويجئ قاعدة التسامح. غايته:
جريان ما مر من الإشكالات المتقدمة هنا، ويجاب بما تقدم، ويزيد هنا بأن اللازم كون لفظ (الخير) و (العمل) ونحو ذلك المذكور في الأخبار شاملين لما هو أعم من الصريح والضمني. والكلام هنا كالكلام في دلالة الاستحباب على الثواب، فتدبر.
وإن لم نقل بأن ترك المكروه مستحب كما لا نقول بأن ترك المستحب مكروه، فإدخال هذا تحت لفظ (الخير) و (الثواب) و (العمل) مشكل جدا، إلا أن يقال:
إن الخبر الدال على الكراهة - مثلا - يدل على أن تاركه من هذه الجهة مأجور ومثاب، لأنه ترك ما طلب تركه، والإطاعة ملازمة للثواب، والعمل أعم من الفعل والترك، ويصدق الخير بهذا المقدار، أو يقال: إن ضعف الدلالة أيضا ينجبر بفتوى الأصحاب، والشهرة العظيمة قضت بالمسامحة في الكراهة.
لكن قد يقال: لا نسلم كون مسامحتهم لهذه الروايات، بل لعله لما مر من الأدلة.