والاستدامة الحكمية ونحو ذلك - كلها مبنية على الأخطار بالبال.
لكن جماعة من المتأخرين ممن قاربنا بانين (1) على كفاية الداعي. وهو المتجه.
فنقول: إن الوجدان والعيان (2) يحكم بعدم صدور الفعل عن الفاعل المختار إلا بداع يوجب قصده الميل إلى العمل، وهو الغاية التي يفعل لأجلها، ولا يلزم خطورها بالبال في كل حال، لغلبة الواردات القلبية وكثرة الشؤون النفسية [كما عليه المدار، وهو المشاهد في الأفعال والأطوار] (3).
ومن المعلوم: أن نية العبادة المأمور بها هو جعل المكلف ذلك الداعي إطاعة المولى وحصول القرب والزلفى، وليس إلا كغيره من الدواعي وإن كان حصوله أشكل الأمور في العبادات، لكونه خلاف مقتضى النفس المغمورة في العادات.
ولكن الأخطار بالقلب حال الشروع أو في الجميع غير مستلزم لحصوله، ولا كاشف عن وصوله (4). كما أن إخطار غيره بالبال ولو في جميع الأحوال لا يقدح في ثبوته.
والوجه فيه: أن منبع الدواعي إنما هو الأذنان للقلب السامع بإحداهما دعوة الله إلى دار النعيم الموجب لصدور الإطاعة لتلك الغاية، وبالأخرى دعوة الشيطان إلى الجحيم الباعث على الإتيان لغير وجه الرحمان، وهما أمران سريان، كما يشهد به الخبر المعروف: (إن الرياء أخفى من دبيب النملة) (5) وخفاؤها يستلزم خفاء مقابلها أيضا، وذلك لوجود الألواح الخيالية المنتقشة فيها