فنقول: قد يحصل التعيين بخلو ذهن المكلف عن الاحتمال الاخر بسهو أو جهل ولا يخطر بباله إلا صورة واحدة فيأتي بها، وبالتفات إلى ذهنه إلى أحد الاحتمالين في الإتيان مع حضورهما في الذهن.
وربما يتخيل أن التعين (1) شرعا كاف وإن لم يعين المكلف، بمعنى: أنه ينصرف إلى الواقع وإن لم يعينه.
وهو بعيد، لأن المكلف يحتمل أن يريد خلاف ما هو المعين في الواقع عمدا عصيانا، مثلا: له أن ينوي في شهر رمضان (أن صومي في هذا اليوم لا أريده لشهر (2) رمضان، بل أريده صوم نذر، أو صوم آخر، أو صوم نيابة عن آخر) عمدا عصيانا، فإذا احتمل هذا الاحتمال، فمتى ما أهمل بالقصد لم يعلم الامتثال، فلا بد من التفات ذهنه إلى ما هو على ذمته عند الشارع، وهذا هو المراد من التعيين.
ومثل ذلك صورة تردد الفائتة بين صلوات، فلا يكفي فيه الإطلاق، بل يجب التفات الذهن على ما في ذمته في الواقع. والتعيين بالمعنى الذي ذكرناه ضابطة قصد ما امر به بالخصوص، لا المردد بين أمور مأمور بها.
وهذا التعيين قد يتوقف على قصد وجوب أو ندب، وقد يتوقف على أداء وقضاء، وقد يتوقف على اعتبار زمان أو مكان، أو سبب من أسبابه - على اختلاف أنواعها وأقسامها - وقد يحصل من دون ملاحظة شئ من ذلك، كمن أقدم في أول الظهر على الصلاة الواجبة الظهرية التامة الأدائية الواجبة عليه أصالة، مع خلو ذهنه (3) عن سائر الصلوات كافة فريضة أو نافلة، ومع خلو ذهنه عن ملاحظة وصف الظهرية والوجوب والأدائية والأصلية والتمامية (4) ونظائر ذلك، بل ليس في ذهنه إلا الصلاة المعهود فعلها في ذلك، فقام وكبر لذلك. وليس في هذه النية جهالة في المنوي بوجه، مع أن شيئا من الصفات غير ملحوظ في