إلى السعة الأعلى، كما أن الأب الرؤوف يضيق على ولده بحبسه في المكتب ومنعه عن الأغذية المرغوبة له، لراحته عند الكبر، بل يحتجمه ويقطع أعضاءه لدفع الأمراض (1).
قلت: هذا الكلام من ذلك العلام - تبعا لبعض من سبقه - خروج عن محل البحث، وقياس مع الفارق.
وبيان ذلك: أنه فرق بين الأمور القهرية والاختيارية، فإنا لا نأبى أن يسلط الله على الإنسان المكلف بلايا شديدة صعبة - من مرض، وكسر عظام، والسقوط من جدار، وإهانة ظالم، ولدغ حية - يكون ذلك كله كفارة لما صدر منه من الذنوب، أو باعثا لارتفاع درجته في الآخرة كما في المعصومين، فإن ذلك كله واقع في المكلفين، ونطقت به الأخبار، وهذا الذي يقاس بضرب التأديب والاحتجام ونحو ذلك.
وأما لو كان الأمر الصعب اختياريا، مثلا بأن يأمر المولى عبده أو الأب ولده بأمور شاقة وكلفه بارتكابه (2) باختياره، وهدده بالعقوبة على المخالفة، ووعده بالثواب على الإطاعة - وكان ذلك الأمر مما لا يتحمل عادة ويشق عليه جدا - فلا ريب أن ذلك مخالف لطريقة العقلاء، ويعد ذلك من المولى والأب مشوبا بالغرض النفساني، ويعد هذا خارجا عن اللطف والابتلاء، بل لا يفعل هذا الفعل إلا من كان يريد العقوبة ويجعل هذا وسيلة إليه، كما نرى وقوع أمثال ذلك من الامراء والسلاطين، فإنهم إذا أرادوا عقوبة أحد من خدامهم ومن تحت يدهم ويطلبون وسيلة لذلك يأمرونه بأمور شاقة لا يتحمل مثله لمثلها غالبا وعادة، فيخالف فيأخذونه بذلك.
والله سبحانه أجل من ذلك! بل العاقل الذي يريد تربية الطفل والمملوك ونحو ذلك يمرنه بأمور سهلة، حتى لا يكون داعيا إلى المخالفة في أول الأمر، إلى أن