وليس المراد منه أن في هذا الدين أشياء سهلة وأشياء صعبة بالغة حد الحرج، فإن (الدين) إن كان اسما لكل فرد من التكاليف قضى بكون كل منها سهلة، وإن كان اسما للمجموع المركب يقتضي ذلك أيضا، لأن وجود الحرج في الدين يجعل المجموع المركب صعبة (1) إذ انضمام التكاليف السهلة إلى الشديدة لا يوجب سهولة الشديدة، بل يزيد ذلك شدة ويكون ثقلا فوق ثقل، لا كتركيب الماء الحار المغلي بالبارد حتى يعتدل، فإن ذلك ليس من هذا الباب.
وقد علم من ذلك: أن وجود ما يصدق عليه الحرج والعسر في هذا الدين مناف للروايتين المشهورتين، بل لم ينكر ذلك أحد.
فإن قلت: لعل المراد: كونها سهلة بالنسبة إلى ما فوقها من الصعوبة، فإن مراتب الشدة متفاوتة.
قلت: يكفينا في نفي الحرج والعسر، فإن إطلاق (السهل) ينفي ما قابله، وظاهره: أن ما يعد حرجا وعسرا غير موجود في الدين وإن كان فيه أيضا مشقة وشدة ببعض مراتبها، فتدبر.
مع أن ما ذكر من الآيات والروايات في نفي الحرج والعسر لا يخفى على من لاحظها بعين البصيرة أنها ليست مسوقة على سياق ما ورد من العمومات الاخر التي تتخصص بالدليل.
فإنه لو قال قائل: (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر، إلا فيما ثبت من الشرع) وكذا قوله: (ما يريد الله ليجعل عليكم في الدين من حرج إلا فيما جعله في بعض الأحكام) لكان هذا مما يشمئز منه النفس، ويفهم منه التناقض، وليس ذلك إلا مثل قوله تعالى: وما الله يريد ظلما للعباد (2) وما ربك بظلام