التكليف بالحرج والضيق، فإنه من دواعي المخالفة وأسبابها، ومحال على الحكيم صدور شئ مفض إلى العصيان منه.
وإن شئت توضيح ذلك، فانظر إلى طريقة العقلاء في مقام التربية، فإن الإرشاد إلى الحسن والقبح والأمر والنهي من لوازم التربية، ولا يتحقق بدونهما (1) مع أنه لو أمر آمر بأمر مستعصب أو نهى عن شئ يعسر اجتنابه للمأمور جدا فخالف لكان العقلاء يذمون الامر، ويقولون: إن هذا ليس مقتضى اللطف، بل اللائق أن تأمره بما لا يشكل عليه، ولا تأمره بما يوجب خذلانه.
وبالجملة: فرق بين كون الداعي مجرد نقص النفس والتمرد عن الإطاعة - أعاذنا الله منه - وبين كون ما يصدر عن الامر له مدخلية في ذلك، لا في تحقق موضوعه، بل في صدوره عن المكلف.
ولهذا، لو اعتذر العبد المخالف - حينئذ - عند الناس بأن التكليف - مثلا - بكذا وكذا بهذه المشقة هل هو طريقة المولى؟ وكيف أتحمل أنا هذه المشقة؟ وكيف السبيل في ذلك غير المخالفة؟ يقبله العقلاء ويخطئون المولى، وذلك واضح.
ويدل على ذلك أيضا ما نطقت به كلمة أصحابنا في الاستدلال بأن العسر والحرج منفي، ولا يشير أحد منهم إلى جواز التخصيص بقوله: (إلا ما خرج بالدليل) مع أن طريقتهم في العمومات الجارية مجرى القاعدة يذكرون مثل ذلك، ولم أجد إلى الان في كلامهم يذكرون هذا الدليل في مقام ويقولون: (خرج ما خرج بالدليل وبقي الباقي) بل ظاهرهم أن ما ثبت ليس من هذا الباب، وإنما نشأ ذلك من بعض المتأخرين بعد ما عجزوا عن حل بعض ما يرد عليهم، كما يأتي بعد ذلك. مضافا إلى قوله عليه السلام: (دين محمد حنيف) (2) وقوله صلى الله عليه وآله: (بعثت بالحنيفية السهلة السمحة) (3).