الفريقين فلا يخفى على الناظر أن محل النزاع إذا خرج عن دائرة الحرام لم يخرج عن دائرة الاشتباه، والمؤمنون وقافون عند الشبهات كما صرح به الحديث الصحيح، ومن تركها فقد استبرأ لعرضه ودينه، ومن حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه، ولا سيما إذا كان مشتملا على ذكر القدود والخدود والجمال والدلال والهجر والوصال ومعاقرة العقار وخلع العذار والوقار، فإن سامع ما كان كذلك لا يخلو عن بلية، وإن كان من التصلب في ذات الله على حد يقصر عنه الوصف، وكم لهذه الوسيلة الشيطانية من قتيل دمه مطلول، وأسير بهموم غرامه وهيامه مكبول، نسأل الله السداد والثبات، ومن أراد الاستيفاء للبحث في هذه المسألة فعليه بالرسالة التي سميتها: إبطال دعوى الاجماع على تحريم مطلق السماع.
باب ضرب النساء بالدف لقدوم الغائب وما في معناه عن بريدة قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في بعض مغازيه، فلما انصرف جاءت جارية سوداء فقالت: يا رسول الله إني كنت نذرت إن ردك الله صالحا أن أضرب بين يديك بالدف وأتغنى، قال لها: إن كنت نذرت فاضربي وإلا فلا، فجعلت تضرب، فدخل أبو بكر وهي تضرب، ثم دخل علي وهي تضرب، ثم دخل عثمان وهي تضرب، ثم دخل عمر فألقت الدف تحت أستها ثم قعدت عليه، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إن الشيطان ليخاف منك يا عمر، إني كنت جالسا وهي تضرب فدخل أبو بكر وهي تضرب، ثم دخل علي وهي تضرب، ثم دخل عثمان وهي تضرب، فلما دخلت أنت يا عمر ألقت الدف رواه أحمد والترمذي وصححه.
الحديث أخرجه أيضا ابن حبان والبيهقي، وفي الباب عن عبد الله بن عمر وعند أبي داود. وعن عائشة عند الفاكهاني في تاريخ مكة بسند صحيح، وقد استدل المصنف بحديث الباب على جواز ما دل عليه الحديث عند القدوم من الغيبة، والقائلون بالتحريم يخصون مثل ذلك من عموم الأدلة الدالة على المنع، وأما المجوزون فيستدلون به على مطلق الجواز لما سلف، وقد دلت الأدلة على أنه لا نذر في معصية الله، فالاذن منه صلى الله عليه وآله وسلم لهذه المرأة بالضرب يدل على أن ما فعلته ليس بمعصية في مثل ذلك الموطن، وفي بعض