وسلم المسير إلى مكة كتب حاطب بن أبي بلتعة إلى قريش يخبرهم ثم أعطاه امرأة من مزينة وذكر ابن إسحاق أن اسمها سارة. وذكر الواقدي أن اسمها كنود، وفي رواية له أخرى سارة، وفي أخرى له أيضا أم سارة. وذكر الواقد أن حاطبا جعل لها عشرة دنانير على ذلك وقيل دينارا واحدا. وقيل: إنها كانت مولاة العباس.
قال السهيلي: كان حاطب حليفا لعبد الله بن حميد بن زهير بن أسد بن عبد العزى، واسم أبي بلتعة عمرو، وقيل: كان أيضا حليفا لقريش. وذكر يحيى بن سلام في تفسيره أن لفظ الكتاب: أما بعد يا معشر قريش فإن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جاءكم بجيش كالليل يسير كالسيل، فوالله لو جاءكم وحده لنصره الله وأنجز له وعده فانظروا لأنفسكم والسلام. كذا حكاه السهيلي. وروى الواقدي بسند له مرسل أن حاطبا كتب إلى سهيل بن عمرو وصفوان بن أمية وعكرمة: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أذن في الناس بالغزو ولا أراه يريد غيركم وقد أحببت أن تكون لي عندكم يد. قوله: وما يدريك لعل الله الخ، هذه بشارة عظيمة لأهل بدر رضوان الله عليهم لم نقع لغيرهم، والترجي المذكور قد صرح العلماء بأنه في كلام الله وكلام رسوله للوقوع. وقد وقع عند أحمد وأبي داود وابن أبي شيبة من حديث أبي هريرة بالجزم ولفظه: أن الله أطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم. وعند أحمد بإسناد على شرط مسلم من حديث جابر مرفوعا:
لن يدخل النار أحد شهد بدرا وقد استشكل قوله: اعملوا ما شئتم فإن ظاهره أنه للإباحة وهو خلاف عقد الشرع. وأجيب بأنه إخبار عن الماضي أي كل عمل كان لكم فهو مغفور، ويؤيده أنه لو كان لما يستقبلونه من العمل لم يقع بلفظ الماضي ولقال: فسأغفره لكم، وتعقب بأنه لو كان للماضي لما حسن الاستدلال به في قصة حاطب، لأنه صلى الله عليه وآله وسلم خاطب به عمر منكرا عليه ما قال في أمر حاطب، وهذه القصة كانت بعد بدر بست سنين، فدل على أن المراد ما سيأتي، وأورده بلفظ الماضي مبالغة في تحققه، وقيل: إن صيغة الامر في قوله اعملوا للتشريف والتكريم ، فالمراد عدم المؤاخذة بما يصدر منهم بعد ذلك، وأنهم خصوا بذلك لما حصل لهم من الحال العظيمة التي اقتضت محو ذنوبهم السالفة وتأهلوا لأن يغفر الله لهم الذنوب اللاحقة إن وقعت أي كل ما عملتموه بعد هذه الوقعة من أي عمل كان فهو مغفور