في سورة النور). والأكثر في الروايات أن سبب نزول الآيات قصة هلال بن أمية وزوجته وكانت متقدمة على قصة عويمر وإنما تلاها صلى الله عليه وسلم لان حكمها عام للأمة (فتلاهن عليه ووعظه وذكره) عطف تفسير إذ الوعظ هو التذكير (وأخبره أن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة) الموعود به في قوله: * (لعنوا في الدنيا والآخرة ولهم عذاب عظيم) * (قال: لا. والذي بعثك بالحق ما كذبت عليها. ثم دعاها فوعظها كذلك. قالت لا. والذي بعثك بالحق إنه لكاذب. فبدأ بالرجل فشهد أربع شهادات بالله، ثم ثنى بالمرأة ثم فرق بينهما. رواه مسلم). في الحديث مسائل: الأولى: قوله فلم يجبه، ووقع عند أبي داود فكره صلى الله عليه وسلم المسائل. وعليها قال الخطابي: يريد المسألة عما لا حاجة بالسائل إليه. وقال الشافعي: كانت المسائل فيما لم ينزل فيه حكم زمن نزول الوحي ممنوعة لئلا ينزل في ذلك ما يوقعهم في مشقة وتعنت كما قال تعالى: * (لا تسألوا عن أشياء) *. وفي الحديث الصحيح: أعظم الناس جرما من سأل عن شئ لم يحرم فحرم من أجل مسألته. وقال الخطابي: قد وجدنا المسألة في كتاب الله على وجهين: أحدهما: ما كانت على وجه التبيين والتعليم فيما يلزم الحاجة إليه من أمر الدين. والآخر: ما كان على الطريق التعنت والتكلف. فأباح النوع الأول وأمر به وأجاب عنه فقال: * (فاسألوا أهل الذكر) * وقال: * (فاسأل الذين يقرؤن الكتاب من قبلك) * وأجابه تعالى في الآيات: * (يسألونك عن الأهلة) *، * (ويسألونك عن المحيض) * وغيرها وقال في النوع الآخر: * (ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي) * وقال * (يسألونك عن الساعة أيان مرساها) *. فكل ما كان من السؤال على هذا الوجه فهو مكروه فإذا وقع السكوت عن جواب فإنما هو زجر وردع للسائل فإذا وقع الجواب فهو عقوبة وتغليظ. الثانية: في قوله فبدأ بالرجل ما يدل على أنه يبدأ به وهو قياس الحكم الشرعي لأنه المدعي فيقدم وبه وقعت البداءة في الآية. وقد وقع الاجماع على أن تقديمه سنة واختلف هل تجب البداءة به أم لا؟ فذهب الجماهير إلى وجوبها لقوله (ص) لهلال: البينة وإلا حد في ظهرك. فكانت البداءة به لدفع الحد عن الرجل فلو بدأ بالمرأة كان دافعا لأمر لم يثبت. وذهب أبو حنيفة إلى أنها تصح البداءة بالمرأة لان العطف فيها بالواو وهي لا تقتضي الترتيب. وأجيب عنه بأنها وإن لم تقتض الترتيب فإنه تعالى لا يبدأ إلا بما هو الأحق في البداءة والأقدم في العناية وبين فعله (ص) ذلك فهو مثل قوله: نبدأ بما بدأ الله به في وجوب البداءة بالصفا. الثالثة: قوله: ثم فرق بينهما دال على أن الفرقة بينهما لا تقع إلا بتفريق الحاكم لا بنفس اللعان. وإلى هذا ذهب كثير مستدلين بهذا اللفظ في الحديث وأنه ثبت في الصحيح بأن الرجل طلقها ثلاثا بعد تمام اللعان وأقره النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك. ولو كانت الفرقة تقع بنفس اللعان لبين (ص) أن طلاقه في غير محله. وقال الجمهور: بل الفرقة تقع بنفس اللعان وإنما اختلفوا هل تحصل الفرقة لتمام لعانه وإن لم تلتعن هي؟ فقال الشافعي تحصل به. وقال أحمد: لا تحصل إلا بتمام
(١٩١)