عملا بهذا الحديث، وهو مروي عن مالك وأحمد بن حنبل واختاره أبو محمد بن حزم . وذهب النخعي والحسن وأبو حنيفة إلى أنه لا يجوز الجمع لا تقديما ولا تأخيرا للمسافر وتأولوا ما ورد من جمعه (ص) بأنه جمع صوري وهو أنه أخر الظهر إلى آخر وقتها وقدم العصر في أول وقتها ومثله العشاء. ورد عليهم بأنه وإن تمشى لهم هذا في جمع التأخير لم يتم لهم في جمع التقديم الذي أفاد قوله (وفي رواية الحاكم في الأربعين بإسناد الصحيح صلى الظهر والعصر) أي إذا زاغت قبل أن يرتحل صلى الفريضتين معا (ثم ركب) فإنها أفادت ثبوت جمع التقديم من فعله (ص) ولا يتصور فيه الجمع الصوري (و) مثله الرواية التي (لأبي نعيم في مستخرج مسلم) أي في مستخرجه على صحيح مسلم (كان) أي النبي (ص) (إذا كان في سفر فزالت الشمس صلى الظهر والعصر جميعا ثم ارتحل) فقد أفادت رواية الحاكم وأبي نعيم ثبوت جمع التقديم أيضا وهما روايتان صحيحتان كما قال المصنف إلا أنه قال ابن القيم إنه اختلف في رواية الحاكم، فمنهم من صححها ومنهم من حسنها ومنهم من قدح فيها وجعلها موضوعة وهو الحاكم فإنه حكم بوضعها، ثم ذكر كلام الحاكم في بيان وضع الحديث ثم رده ابن القيم واختار أنه ليس بموضوع، وسكوت المصنف هنا عليه وجزمه بأنه بإسناد صحيح يدل على رده لكلام الحاكم ويؤيد صحته قوله:
(وعن معاذ رضي الله عنه قال: خرجنا مع رسول الله (ص) في غزوة تبوك فكان يصلي الظهر والعصر جميعا والمغرب والعشاء جميعا رواه مسلم). إلا أن اللفظ محتمل لجمع التأخير لا غير أوله ولجمع التقديم، ولكن قد رواه الترمذي بلفظ كان إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس آخر الظهر إلى أن يجمعها إلى العصر فيصليهما جميعا وإذا ارتحل بعد زيغ الشمس عجل العصر إلى الظهر وصلى الظهر والعصر جميعا فهو كالتفصيل لمجمل رواية مسلم إلا أنه قال الترمذي بعد اخراجه: إنه حديث حسن غريب تفرد به قتيبة لا نعرف أحدا رواه عن الليث غيره قال: والمعروف عند أهل العلم حديث معاذ من حديث ابن الزبير عن أبي الطفيل عن معاذ: أن النبي (ص) جمع في غزوة تبوك بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء. اه. إذا عرفت هذا فجمع التقديم في ثبوت روايته مقال إلا رواية المستخرج على صحيح مسلم فإنه لا مقال فيها. وقد ذهب ابن حزم إلى أنه يجوز جمع التأخير لثبوت الرواية به لا جمع التقديم، وهو قول النخعي ورواية عن مالك وأحمد. ثم إنه قد اختلف في الأفضل للمسافر هل الجمع أو التوقيت فقالت الشافعية:
ترك الجمع أفضل. وقال مالك: إنه مكروه، وقيل: يختص بمن له عذر.
واعلم أنه كما قال ابن القيم في الهدي النبوي: لم يكن صلى الله عليه وسلم يجمع راتبا في سفره كما يفعله كثير من الناس، ولا يجمع حال نزوله أيضا، وإنما كان يجمع إذا جد به السير ، وإذا سار عقيب الصلاة كما في أحاديث تبوك، وأما جمعه وهو نازل غير مسافر فلم ينقل ذلك عنه إلا بعرفة ومزدلفة لأجل اتصال الوقوف، كما قال الشافعي وشيخنا وجعله أبو حنيفة من تمام النسك وأنه سببه، وقال أحمد ومالك والشافعي: إن سبب الجمع بعرفة ومزدلفة السفر.