وأخرجه البيهقي بسند صحيح من فعل ابن عباس وابن عمر وبأنه روى البخاري من حديث ابن عباس تعليقا بصيغة الجزم: أنه سئل أتقصر الصلاة من مكة إلى عرفة؟ قال: لا ولكن إلى عسفان وإلى جدة وإلى الطائف وهذه الأمكنة بين كل واحد منها وبين مكة أربعة برد فما فوقها. والأقوال متعارضة كما سمعت والأدلة متقاومة قال في زاد المعاد: ولم يحد (ص) لامته مسافة محددة للقصر والفطر بل أطلق لهم ذلك في مطلق السفر والضرب في الأرض كما أطلق لهم التيمم في كل سفر، وأما ما يروى عنه من التحديد باليوم واليومين والثلاثة فلم يصح منها شئ البتة والله أعلم، وجواز القصر والجمع في طويل السفر وقصيره مذهب كثير من السلف.
(وعنه) أي عن أنس (رضي الله عنه قال: خرجنا مع رسول الله (ص) من المدينة إلى مكة فكان يصلي) أي الرباعية (ركعتين ركعتين) أي كل رباعية ركعتين (حتى رجعنا إلى المدينة: متفق عليه واللفظ للبخاري). يحتمل أن هذا كان في سفره عام الفتح ويحتمل أنه في حجة الوداع إلا أن فيه عند أبي داود زيادة أنهم قالوا لأنس: هل أقمتم بها شيئا؟ قال: أقمنا عشرا ويأتي أنهم أقاموا في الفتح زيادة على خمسة عشر يوما أو خمسة عشر وقد صرح في حديث أبي داود أن هذا أي خمسة عشر ونحوها كان عام الفتح وفيه دلالة على أنه لم يتم مع إقامته في مكة، وهو كذلك كما يدل عليه الحديث الآتي: وفيه دليل على أن نفس الخروج من البلد بنية السفر يقتضي القصر ولو لم يجاوز من البلد ميلا ولا أقل، وأنه لا يزال يقصر حتى يدخل البلد ولو صلى وبيوتهما بمرأى منه.
(وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: أقام النبي (ص) تسعة عشر يوما يقصر وفي لفظ) تعيين محل الإقامة وأنه (بمكة تسعة عشر يوما. رواه البخاري وفي رواية لأبي داود) أي عن ابن عباس (سبع عشرة) بالتذكير في الرواية الأولى لأنه ذكر مميزه يوما وهو مذكر، وبالتأنيث في رواية أبي داود لأنه حذف مميزه، وتقديره ليلة، وفي رواية لأبي داود عنه تسعة عشر كالرواية الأولى (وفي أخرى) أي لأبي داود عن ابن عباس (خمس عشرة).
(وله) أي لأبي داود: (عن عمران بن حصين رضي الله عنهما ثماني عشرة) ولفظه عند أبي داود شهدت معه الفتح فأقام بمكة ثماني عشرة ليلة لا يصلي إلا ركعتين ويقول: يا أهل البلد صلوا أربعا فإنا قوم سفر.
(وله) أي لأبي داود. (عن جابر رضي الله عنه أقام) أي النبي (ص) (بتبوك عشرين يوما يقصر الصلاة)، ورواته ثقات إلا أنه اختلف في وصله فوصله معمر عن يحيى بن أبي كثير عن محمد بن عبد الرحمن عن ثوبان عن جابر قال أبو داود: غير معمر لا يسنده فأعله الدارقطني في العلل بالارسال والانقطاع. قال المصنف رحمه الله: وقد أخرجه البيهقي بلفظ بضع عشرة.
واعلم أن أبا داود ترجم لباب هذه الأحاديث باب متى يتم المسافر ثم ساقها وفيها