واقتصر على محل الحاجة هنا. واعلم أن هذا حديث عظيم مشتمل على جمل من الفوائد ونفائس من مهمات القواعد، قال القاضي عياض: قد تكلم الناس على ما فيه من الفقه وأكثروا، وصنف فيه أبو بكر بن المنذر جزءا كبيرا أخرج فيه من الفقه مائة ونيفا وخمسين نوعا، وقال: ولو تقصى لزيد على هذا العدد أو قريب منه. قلت: وليعلم أن الأصل في كل ما ثبت أنه فعله (ص) في حجه الوجوب، لامرين أحدهما: أن أفعاله في الحج بيان الحج الذي أمر الله به، والأفعال في بيان الوجوب محمولة على الوجوب. والثاني وقوله (ص): خذوا عني مناسككم فمن ادعى عدم وجوب شئ من أفعاله في الحجة فعليه الدليل، ولنذكر ما يحتمله المختصر من فوائده ودلائله. ففيه دلالة على أن غسل الاحرام سنة للنفساء والحائض ولغيرهما بالأولى، وعلى استثفار الحائض والنفساء. وعلى صحة إحرامهما. وأن يكون الاحرام عقيب صلاة فرض أو نفل فإنه قد قيل: إن الركعتين اللتين أهل بعدهما فريضة الفجر، وأنه يرفع صوته بالتلبية ، قال العلماء: ويستحب الاقتصار على تلبية النبي (ص) فلو زاد فلا بأس، فقد زاد عمر رضي الله عنه لبيك ذا النعماء والفضل الحسن لبيك مرهوبا منك ومرغوبا إليك. وابن عمر رضي الله عنهما لبيك وسعديك والخير بيديك والرغباء إليك والعمل. وأنس رضي الله عنه لبيك حقا حقا تعبدا ورقا. وأنه ينبغي للحاج القدوم أولا مكة ليطوف طواف القدوم، وأن يستلم الركن قبل طوافه، ثم يرمل في الثلاثة الأشواط الأول، والرمل: إسراع المشي مع تقارب الخطأ، وهو الخبب، ثم يمشي سريعا أربعا على عادته، وأنه يأتي بعد تمام طوافه مقام إبراهيم ويتلو * (واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى) * ثم يجعل المقام بينه وبين البيت ويصلي ركعتين، وقد أجمع العلماء على أنه ينبغي لكل طائف إذا طاف بالبيت أنه يصلي خلف المقام ركعتي الطواف واختلفوا هل هما واجبتان أم لا فقيل بالوجوب، وقيل إن كان الطواف واجبا وإلا فسنة، وهل يجبان خلف مقام إبراهيم حتما أو يجزئان في غيره؟ فقيل يجبان خلفه، وقيل يندبان خلفه ولو صلاهما في الحجر أو في المسجد الحرام أو في أي محل من مكة جاز وفاتته الفضيلة. وورد في القراءة فيهما في الأولى بعد الفاتحة الكافرون والثانية بعدها الصمد رواه مسلم. ودل على أنه يشرع له الاستلام عند الخروج من المسجد كما فعله عند الدخول، واتفقوا أن الاستلام سنة، وأنه يسعى بعد الطواف، ويبدأ بالصفا ويرقى إلى أعلاه ، ويقف مستقبلا القبلة ويذكر الله تعالى بهذا الذكر، ويدعو ثلاث مرات، وفي الموطأ : حتى إذا انصبت قدماه في بطن الوادي سعى. وقد قدمنا لك أن في رواية مسلم سقطا فدلت رواية الموطأ أنه يرمل في بطن الوادي، وهو الذي يقال له بين الميلين وهو مشروع في كل مرة من السبعة الأشواط لا في الثلاثة الأول كما في طواف القدوم بالبيت. وأنه يرقى أيضا على المروة كما رقى على الصفا ويذكر ويدعو وبتمام ذلك تتم عمرته فإن حلق أو قصر صار حلالا، وهكذا فعل الصحابة الذي أمرهم (ص) بفسخ الحج إلى العمرة. وأما من كان قارنا فإنه لا يحلق ولا يقصر ويبقى على إحرامه. ثم في يوم التروية - وهو ثامن ذي الحجة - يحرم من أراد الحج ممن حل من عمرته ويطلق هو ومن كان قارنا إلى منى
(٢٠١)