يؤول قوله: فلا صلاة له أي كاملة، وأنه نزل نفي الكمال منزلة نفي الذات مبالغة. والاعذار في ترك الجماعة منها ما في حديث أبي داود. ومنها المطر والريح الباردة. ومن أكل كراثا أو نحوه من ذوات الريح الكريهة فليس له أن يقرب المسجد، قيل: ويحتمل أن يكون النهي عنها لما يلزم من أكلها من تفويت الفريضة فيكون آكلها آثما لما تسبب له من ترك الفريضة، ولكن لعل من يقول إنها فرض عين يقول تسقط بهذه الاعذار صلاتها في المسجد لا في البيت فيصليها جماعة.
(وعن يزيد بن الأسود رضي الله عنه) هو أبو جابر يزيد بن الأسود السوائي بضم المهملة وتخفيف الواو والمد ويقال الخزاعي ويقال العامري روى عنه ابنه جابر وعداده في أهل الطائف وحديثه في الكوفيين (أنه صلى مع رسول الله (ص) صلاة الصبح، فلما صلى رسول الله (ص)) أي فرغ من صلاته (إذا هو برجلين لم يصليا) أي معه (فدعا بهما فجئ بهما ترعد) بضم المهملة (فرائضهما) جمع فريصة وهي اللحمة التي بين جنب الدابة وكتفيها أي ترجف من الخوف قاله في النهاية (فقال لهما: ما منعكما أن تصليا معنا؟ قالا: قد صلينا في رحالنا) جمع رحل بفتح الراء وسكون المهملة هو المنزل ويطلق على غيره ولكن المراد هنا به المنزل (قال: فلا تفعلا إذا صليتما في رحالكما ثم أدركتما الامام ولم يصل فصليا معه فإنها) أي الصلاة مع الامام بعد صلاتهما الفريضة (لكما نافلة) والفريضة هي الأولى سواء صليت جماعة أو فرادى لاطلاق الخبر (رواه أحمد واللفظ له والثلاثة وصححه الترمذي وابن حبان) زاد المصنف في التلخيص: والحاكم والدارقطني وصححه ابن السكن كلهم من طريق يعلي بن عطاء عن جابر بن يزيد بن الأسود عن أبيه.
قال الشافعي في القديم: إسناده مجهول، قال البيهقي: لان يزيد بن الأسود ليس له راو غير ابنه ولا لابنه جابر راو غير يعلى. قلت: يعلى من رجال مسلم، وجابر وثقه النسائي وغيره. انتهى. وهذا الحديث وقع في مسجد الخيف، في حجة الوداع. فدل على مشروعية الصلاة مع الامام إذا وجده يصلي أو سيصلي بعد أن كان قد صلى جماعة أو فرادى، والأولى هي الفريضة والأخرى نافلة كما صرح به الحديث. وظاهره أنه لا يحتاج إلى رفض الأول. وذهب إلى هذا زيد بن علي والمؤيد وجماعة من الآل وهو قول الشافعي. وذهب الهادي ومالك وهو قول الشافعي إلى أن الثانية هي الفريضة، لما أخرجه أبو داود من حديث يزيد بن عامر: إنه (ص) قال: إذا جئت الصلاة فوجدت الناس يصلون فصل معهم إن كنت قد صليت تكن لك نافلة وهذه مكتوبة. وأجيب بأنه حديث ضعيف ضعفه النووي وغيره، وقال البيهقي هو مخالف لحديث يزيد بن الأسود وهو أصح ورواه الدارقطني بلفظ: وليجعل التي صلى في بيته نافلة قال الدارقطني هذه رواية ضعيفة شاذة وعلى هذا القول لا بد من الرفض للأولى بعد دخوله في الثانية، وقيل بشرط فراغه من الثانية صحيحة. وللشافعي قول ثالث أن الله تعالى يحتسب بأيهما شاء، لقول ابن عمر لمن سأله عن ذلك: أو ذلك إليك؟ إنما ذلك إلى الله يحتسب بأيهما شاء أخرجه مالك في الموطأ. وقد عورض حديث الباب بما أخرجه أبو داود والنسائي