استكمل صيام شهر قط إلا رمضان، وما رأيته في شهر أكثر منه صياما في شعبان متفق عليه واللفظ لمسلم. فيه دليل على أن صومه صلى الله عليه وسلم لم يكن مختصا بشهر دون شهر وأنه كان (ص) يسرد الصيام أحيانا ويسرد الفطر أحيانا ولعل كان يفعل ما يقتضيه الحال من تجرده عن الاشغال، فيتابع الصوم ومن عكس ذلك فيتابع الافطار. ودليل على أنه يخص شعبان بالصوم أكثر من غيره وقد نبهت عائشة على علة ذلك فأخرج الطبراني عنها: أنه (ص) كان يصوم ثلاثة أيام في كل شهر فربما أخذلك فيجتمع صوم السنة فيصوم شعبان وفيه ابن أبي ليلى وهو ضعيف. وقيل:
كان يصوم ذلك تعظيما لرمضان كما أخرجه الترمذي من حديث أنس وغيره: أنه سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الصوم أفضل؟ فقال: شعبان تعظيما لرمضان قال الترمذي: فيه صدقة بن موسى وهو عندهم ليس بالقوي. وقيل: كان يصومه لأنه شهر يغفل عنه الناس بين رجب ورمضان، كما أخرجه النسائي وأبو داود وصححه ابن خزيمة عن أسامة بن زيد قال: قلت: يا رسول الله لم أرك تصوم في شهر في الشهور ما تصوم في شعبان قال: ذلك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين فأحب أن يرفع فيه عملي وأنا صائم، قلت: ويحتمل أنه كان يصومه لهذه الحكم كلها . وقد عورض حديث: أن صوم شعبان أفضل الصوم بعد رمضان بما أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة مرفوعا أفضل الصوم بعد رمضان صوم المحرم وأورد عليه أنه لو كان أفضل لحافظ على الاكثار من صيامه. وحديث عائشة يقتضي أنه كان أكثر صيامه في شعبان، فأجيب بأن تفضيل صوم المحرم بالنظر إلى الأشهر الحرم وفضل شعبان مطلقا وأما عدم إكثاره لصوم المحرم فقال النووي: لأنه إنما علم ذلك آخر عمره.
(وعن أبي ذر رضي الله عنه قال: أمرنا رسول الله (ص) أن نصوم من الشهر ثلاثة أيام: ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة رواه النسائي والترمذي وصححه ابن حبان. الحديث ورد مطرق عديدة من حديث أبي هريرة بلفظ فإن كنت صائما فصم الغر: أي البيض أخرجه أحمد والنسائي وابن حبان. وفي بعض ألفاظه عند النسائي: فإن كنت صائما فصم البيض ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة وأخرج أصحاب السنن من حديث قتادة بن ملحان كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا أن نصوم البيض ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة. وقال: هي كهيئة الدهر وأخرج النسائي من حديث جرير مرفوعا صيام ثلاثة أيام من كل شهر كصيام الدهر ثلاث الأيام البيض الحديث وإسناده صحيح. ووردت أحاديث في صيام ثلاثة أيام من كل شهر مطلقة ومبينة بغير الثلاثة. وأخرج أصحاب السنن وصححه ابن خزيمة من حديث ابن مسعود : أن النبي (ص) كان يصوم عدة ثلاثة أيام من كل شهر. وأخرجه مسلم من حديث عائشة كان رسول الله (ص) يصوم من كل شهر ثلاثة أيام ما يبالي في أي الشهر صام. وأما المبينة بغير الثلاث فهي ما أخرجه أبو داود والنسائي من حديث