السنة " خوارق العادات ".
وتوضيح ذلك: أن أفعال الله غير معللة بالأغراض والعلل الغائية وما نراه من الملازمة بين النار والإحراق ما هو إلا أحكام العادة ارتكزت في أذهاننا بواسطة التكرار يخلق الله الإحراق عند مماستها لا بها.
وعليه يمكن أن يخرق الله العادة ويجعل النار بردا وسلاما على إبراهيم، وهكذا وكأن الله الذي أعطى للنار خاصية الإحراق لا يستطيع أن يخرقها لو جعلها معلولة لها لوجود عنصر الضرورة في قانون العلية والمعلولية سواء آمنا بأنها تبقى نارا بعد سلب الخاصة أو تخرج عن كونها كذلك.
ومن غريب الموافقات أن نظرية العادة التي دان بها الأشعرية من أخوتنا أهل السنة ردحا طويلا من الزمن أصبحت مرتعا خصبا لمذهب الشك الحديث أو جسرا يسمح بالعبور إلى جانب التنكر لعلية الأشياء بل لإنكار علة العلل أو واجب الوجود فهذا " ديفيد هيوم 1711 - 1776 " الفيلسوف الإنجليزي أحد زعماء المنهج الشكي الحديث تنكر لقانون العلية والمعلولية ودان بنظرية العادة وفسر عنصر الضرورة بين كل حادثتين متعاقبتين على أساس أن التتابع والتتالي بين ظاهرتين يقدح في الذهن معنى الترابط وسمى هذه العادة (تداعي المعاني) ولست أدري هل استنبطوا نظرية العادة عن فلاسفة الشك القديم أم أن هيوم وقادة الشك الحديث أخذوا النظرية عن المسلمين الأشاعرة أم أنها محض الموافقات.
وعلى أية حال فإنه يجب الإيمان بمعاجز الأنبياء ويكفر منكروها، سواء قلنا: بين النار والإحراق تلازما عقليا أو عاديا وسواء عزونا حكم الضرورة للعلة أو العادة، وسواء قلنا: أن قوة الإحراق مودوعة فيها