الجماعة من الديوان فصاح عليهم خادم فتبادر الغلمان وأمسكوه وأنهي ذلك إلى مؤيد الدين فجلس وأحضر التركي بين يديه وسأله عما حمله على ذلك فلم يقل شيئا، فضرب ضربا مبرحا فذكر أن له مدة لم يصله شئ من معيشته وهو ملازم الخدمة وقد أضر به ذلك فحمله فقره وحاجته وغيظه على ما فعل، فأمر بصلبه فصلب وحط بعد يومين ".
وذكره هندو شاه الصاحبي وذكر أنه أنشا مارستانا في المشهد الكاظمي وزوده وجهزه بالأدوية والأشربة والمعاجين وأنشأ مكتبا ودار للقرآن لأيتام العلويين هناك ووقف على ذلك أوقافا وأحسن الثناء عليه وذكر ابنه فخر الدين أحمد وأنه كان أديبا فاضلا وكان يتولى الشرطة والاحتساب وكان قاسيا في العقوبة ينتهي بها إلى قطع الأعضاء ولما نكب أبوه وحبس قال له: بخلك أنسلقنا. يعني أنه كان السبب في تلك النكبة وحبس عز الدين عبد الحميد بن أبي الحميد لأنه كان مفتونا بتركي اسمه عثمان فبعث إليه بقصيدة من السجن يقول فيها:
وقد تبت من الغي * وقد أقلع شيطاني وقد ذكر ابنه فخر الدين أحمد كمال الدين بن الفوطي قال: " فخر الدين أبو الفضل أحمد بن محمد بن محمد بن عبد الكريم، القمي محتدا، البغدادي مولدا، نائب الوزارة يعرف بخداوند زاده. ذكره شيخنا جمال الدين أبو الفضل أحمد بن مهنا الحسيني في كتاب وزراء الزوراء (قال) ظهر من فخر الدين في وزارة أبيه من القوة والحرمة والنقمة ما جاوز فيه حد التأديب، وبلغ منه إلى الفظيع الغريب من قطع الأيدي وصلم الآذان وأزداد منه ذلك حتى ولي الشرطة وحجبة باب النوبي، وكان ذا فطنة وذكاء ودهاء وناب عن والده حين تخلف عن الركوب إلى الترب. وفي سابع شوال سنة تسع وعشرين وستمائة وكل به وبأبيه الوزير ونقلا إلى دار الخلافة ولم نقف لهما على أمر ".
وترجم له الصفدي بما يخالف ما نقلنا بعض المخالفة قال: " محمد بن محمد بن عبد الكريم بن برز القمي الوزير مؤيد الدين أبو الحسن القمي البليغ الكاتب، قال ابن النجار: قدم بغداد صحبة الوزير ابن القصاب وكان به خصيصا فلما توفي قدم بغداد (1) وقد سبقت له معرفة بالديوان ورتب ابن مهدي في الوزارة ونقابة الطالبيين أختص به أيضا وكانا جارين في قم ولما مات أبو طالب بن زيادة كاتب الإنشاء رتب القمي مكانه ولم يغير هيأة القميص والشربوش على قاعدة العجم ثم ناب أبو الوليد (محمد) ابن أمسينا في الوزارة وعزل في سنة ست وستمائة فردت النيابة وأمور الديوان إلى القمي ونقل إلى دار الوزارة ولما ولي الظاهر الخلافة أقره على حاله وكذلك المستنصر قربه ورفع قدره وحكمه في البلاد والعباد ولم يزل في سعده إلى أن عزل وسجن هو وابنه بدار الخلافة فمات الابن أولا وأبوه بعده في سنة ثلاثين وستمائة وكان كاتبا بليغا فاضلا كامل المعرفة بالانشاء يكتب بالعربي والعجمي كيف أراد ويحل المترجم المغلق وكان حسن الأخلاق مليح الوجه، تخافه الملوك وترهبه الجبابرة وله يد باسطة في النحو واللغة ومشاركة في العلوم ".
ومن إنشاء مؤيد الدين القمي عهد نقابة الطالبيين الذي كتبه في تولية نقابتهم فخر الدين أبا الحسن محمد بن محمد بن المختار الكوفي في السابع عشر من شهر ربيع الأول سنة 603 قال ابن الساعي: وهو بخط المكين أبي الحسن محمد بن محمد بن عبد الكريم القمي كاتب ديوان الانشاء المعمور حينئذ ومن إنشائه ومن خطه نقلت وهذه نسخته:
" بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما عهد عبد الله وخليفته الإمام المفترض الطاعة على سائر الأنام الناصر لدين الله أمير المؤمنين إلى محمد بن محمد ابن المختار، حين وجده مرضي الخلائق، سوي الطرائق، محمود السجايا والشيم، متمسكا من الديانة بامتن سبب وأوثق معتصم، سالكا في الزكانة والرصانة لاحب جدد، وأقوم لقم، متحليا من التقى والورع، بأحسن لباس وأبهى مدرع، قد فاق بكفايته الأكفاء وبرع، واستشرف إلى محامد الخلال، ومحاسن الخصال كل مطلع، فقلده نقابة العترة الكريمة العلوية، والأسرة الجليلة الطالبية، بمدينة السلام، وسائر بلاد الإسلام، شرقا وغربا، وبعدا وقربا، مقدرا فيه الاضطلاع بالأعباء، والقيام بحسن الاستخدام والاستكفاء، والنهوض بتأدية شكر النعماء، والله تعالى يقرن آراء أمير المؤمنين بالتأييد والتوفيق في كل ما ينتحيه للاسلام والمسلمين من المصالح، ويدني لي في كل ما يبتغيه من مناظم الدين كل بعيد نازح، إنه سميع مجيب، وما توفيق أمير المؤمنين إلا بالله، عليه توكل وإليه ينيب، أمره بتقوى الله تعالى واستشعاره مراقبته في سره وعلانيته، فإنهما الفريضة اللازمة، والسنة القائمة، واللباس الأحسن الأروع، والحرز الأحصن الأمنع، وأفضل ما اعتقده المعتقدون، ودعا إليه الصالحون، ووزن به المرء مراجع لحظة، ومخارج لفظه، ومسارح خواطره، ومطارح نواظره، وأوضح سبل الرشاد، وخير الزاد ليوم المعاد، قال الله تعالى: (وتزودوا فان خير الزاد التقوى). وقال سبحانه: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون)، فطوبى لمن سمع قوله فاتبعه، وتجلبب لباس مراقبته وأدرعه، واقتدى بكتابه، فاستخرج كنوز المراشد من عيابه، واقتنى ذخائر ثوابه، فتوقى به أليم عقابه، أولئك الذين أنعم الله عليهم بالعقائد الصحائح، وأثقل موازين توفيقهم الرواجح، وهداهم بما كبت في قلوبهم من الإيمان إلى الجدد اللاحب والمنهج الواضح، فعمل في دنياه لأخراه، وقوم بالهدى بالجد في معاده جدواه، (أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون). وأمره بان يتأمل أحوال من فوض أمره من أهل بيته إليه، وعول في زعامته من ذوي الرحمة عليه، ويعتبر طرائقهم ويختبر شيمهم وخلائقهم، وينزلهم منازلهم التي يستوجبونها بكرم العناصر، ويستحقونها بتباين المساعي والمآثر قال الله تعالى: (يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات). فلمن كان منهم رشيد المنهج، متنكبا عن الطريق الأعوج، متحليا من الدين بما يناسب نسبه، ويلائم محتده الكريم ومنصبه، يحق له من الإكرام، وخصه من الأنعام، والتودد والاحترام، بما يرفع منزلته، ويحث على اكتساب فضيلة من تأخر عن غلوته ليشيع فيهم المناقب والفضائل، ويسفروا عن المناظر المهيبة في النوادي والمحافل ويستضيفوا إلى شرف الأبوة فضل النبوة، ويتقيلوا آثار من قال الله فيهم: (أولئك الذين آتيناهم الكتاب والحكم والنبوة). فإنهم أغصان تلك الدوحة الشريفة، والشجرة المباركة المنيفة، وأمره بان يعاملهم برفق لا يشينه ضعف، وتهذيب لا يهجنه عنف، فمن بدت منه بادرة، أو عثرة نادرة أقالها، وألحق جناح المياسرة أذيالها، وأتخذ له من التأنيب بما يجنبه أمثالها، قال الله (وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم). وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أقيلوا ذوي الهيئات