عبد الله محمد بن جميل وخلع عليه بالبدرية الشريفة وأنزل بالدار التي كان يسكنها ابن رئيس الرؤساء بالمسعودة وأعطي جميع ما كان وصل إليه من غلمان ابن ناصر وآلاته وكرائمه ". ومن إنشاء مجد الدين بن جميل توقيع كتبه بتفويض التدريس في مدرسة الامام أبي حنيفة إلى ضياء الدين أحمد بن مسعود التركستاني الفقيه المدرس الحنفي والنظر في أوقات المشهد سنة 604 قال ابن الساعي: " وكتب توقيع من المخزن المعمور بانشاء مجد الدين بن جميل كاتب المخزن المعمور يومئذ ومن خطه نقلت وهذه نسخته:
" بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله المعروف بفنون المعروف والكرم.
الموصوف بصنوف الاحسان والنعم، المتفرد بالعظمة والكبرياء والقدم، الذي أختص الدار العزيزة - شيد الله بناها، وأشاد مجدها وعلاها، - بالمحل الأعظم، والشرف الأقدم، وجمع لها شرف البيت العتيق ذي الحرم، إلى شرف بيت هاشم الذي هشم، جاعل هذه الأيام الزاهرة الناضرة، والدولة القاهرة الناصرة، عقدا في جيد مناقبها، وحليا يجول في ترائبها، - أدامها الله تعالى ما أنحدر لئام الصباح، وبرح خفاء براح - أحمده حمد معترف بتقصيره عن واجب حمده، مغترف من بحر عجزه مع بذل وسعه وجهده، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وهو الغني عن شهادة عبده، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، الذي صدع بأمره، وجاء بالحق من عنده، صلى الله عليه صلاة تتعدى إلى أدنى ولده، وأبعد حده حتى يصل عبقها إلى أقصى قصية ونزاره ومعده - وبعد فلما كان الأجل السيد الأوحد العالم ضياء الدين شمس الاسلام رضي الدولة، عز الشريعة علم الهدى رئيس الفريقين، تاج الملك، فخر العلماء أحمد بن مسعود التركستاني - أدام الله علوه - ممن أعرق في الدين منسبه، وتحلى بعلوم الشريعة أدبه، واستوى في الصحة مغيبه ومشهده، وشهد له بالأمانة لسانه ويده، وكشف الاختبار منه عفة وسدادا، وأبت مقاصده إلا أناة واقتصادا، رئي الاحسان إليه، والتعويل عليه في التدريس بمشهد أبي حنيفة - رحمة الله عليه - ومدرسته، وأسند إليه النظر في وقف ذلك أجمع لاستقبال حادي عشري ذي القعدة سنة أربع وستمائة الهلالية وما بعده وبعدها، وأمر بتقوى الله - جلت آلاؤه، وتقدست أسماؤه -، التي هي أزكى قربات الأولياء، وأنمى خدمات النصحاء، وأبهى ما استشعره أرباب الولايات، وأدل الأدلة على سبل الصالحات، وفاعلها بثبوت القدم خليق، وبالتقدم جدير، قال الله تعالى: (إن أكرمكم عند الله أتقاكم، إن الله عليم خبير). وأن يذكر الدرس على أكمل شرائط، وأجمل ضوابط، مواظبا على ذلك، سالكا فيه أوضح المسالك، مقدما عليه تلاوة القرآن المجيد، على عادة الختمات في التبكر والغدوات، متبعا ذلك بتمجيد آلاء الله وتعظيمها والصلاة على نبيه - صلى الله عليه - صلاة يضوع أرج نسيمها، شافعا ذلك بالثناء على الخلفاء الراشدين - صلوات الله عليهم أجمعين - والاعلان بالدعاء للمواقف الشريفة المقدسة النبوية الامامية (1) الطاهرة الزكية، المعظمة المكرمة، الممجدة الناصرة لدين الله تعالى - لا زالت (2) منصورة الكتب والكتائب، منشورة المناقب مسعودة الكواكب والمواكب مسودة الآهب مبيضة المواهب، ما خطب إلى جموع الأكابر وعلا فروع المنابر خطيب وخاطب -، وأن يذكر من الأصول فصلا يكون من سهام الشبه جنة، ولنصر اليقين مظنة، متبعا المذهب ومفرداته، ونكته ومشكلاته، ما ينتفع به المتوسط والمبتدي، ويتبينه ويستضئ به المنتهي، وليذكر من المسائل الخلافية ما يكون داعيا إلى وفاق المعاني والعبارات، هاديا لشوارد الأفكار إلى موارد المنافسات، ناظما عقود التحقيق في سلوك المحاققات (3)، مصوبا أسنة البديهة إلى ثغر الأناة، معتصما في جميع أمره بخشية الله وطاعته، مستشعرا ذلك في علنه وسريرته. والمفروض له عن هذه الخدمة في كل شهر للاستقبال المقدم ذكره من حاصل الوقف المذكور لسنة تسع وتسعين الخراجية وما يجري معها من هلالية وما بعدها أسوة بما كان لعبد اللطيف ابن الكيال من الحنطة كيل البيع ثلاثون قفيزا ومن العين الامامية عشرة دنانير، يتناول ذلك شهرا فشهرا مع الوجوب والاستحقاق، للاستقبال المقدم ذكره، من حاصل الوقف المعين للسنة المبينة الخراجية وما بعدها بموجب ما استؤمر فيه من المخزن المعمور - أجله الله تعالى - وإذن فليجر على عادته المذكورة، وقاعدته ولتكن صلاته وجماعته في جامع القصر الشريف في الصفة التي لأصحاب أبي حنيفة - رحمة الله عليه - وليصرف حاصل الوقوف المذكورة في سبلها بمقتضى شرط الواقف المذكور في كتاب الوقفية من غير زيادة فيها ولا عدول عنها، ولا حذف شئ منها، عالما أنه مسؤول في غده عن يومه وأمسه، وأن أفعال المرء صحيفة له في رمسه، وليبذل جهده في عمارة الوقوف واستنمائها واستثمار حاصلها وارتفاعها، مستخيرا من يستخدمه فيها من الأجلاد الأمناء، ذوي العفة والفناء، متطلعا إلى حركاتهم وسكناتهم، مؤاخذا لهم على ما لعله يتصل به من فرطاتهم، لتكون الأحوال منسقة النظام والمال محروسا من الانثلام، وليبتدى بعمارة المشهد والمدرسة المذكورين، وإصلاح فرشها ومصابيحها، وأخذ القوام بالمواظبة على الخدمة بها وإلزام المتفقهة بملازمة الدروس وتكرارها، وإتقان المحفوظات وأحكامها، وليثبت ما بخزانة الكتب من المجلدات وغيرها، معارضا ذلك بفهرسته، متطلبا ما عساه قد شذ منها، وليأمر خازنها بعد استصلاحه بمراعاتها ونفضها في كل وقت، ومرمة شعثها وأن لا يخرج شيئا منها إلا إلى ذي أمانة، مستظهرا بالرهن عن ذلك، وليتلق هذه الموهبة بشكر يرتبطها ويدر أخلافها واجتهاد يضبطها ويؤمن إخلافها، وليعمل بالمحدود له في هذا المثال، من غير توقف فيه بحال، إن شاء الله تعالى، وكتب لتسع بقين من ذي القعدة من سنة أربع وستمائة. وحسبنا الله ونعم الوكيل، وصلى الله على سيدنا محمد نبيه وآله الطاهرين الأكرمين وسلم " (4).
وقال العالم الفقيه القاضي الشيخ محمد بن طاهر السماوي: " وجدت في مجموعة شعر فيه مدائح للنبي صلى الله عليه وآله وسلم وللأئمة - (عليهم السلام) - مدائح ومراث وفيها أن مجد الدين ابن جميل صاحب المخزن للناصر غضب عليه فحبسه فضاق صدره فمدح أمير المؤمنين - عليه السلام - بقصيدة ذات ليلة في المحرم (5) وهي:
ألمت وهي حاسرة لثاما * وقد ملأت ذوائبها الظلاما وأجرت أدمعا كالطل هبت * لها (6) ريح الصبا فجرت تؤاما وقالت أقصدتك يد الليالي * وكنت لخائف منها عصاما